من الجوارح اللينة ملمسا لكنه من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه العجيبة، فهو صغير في حجمه عظيم في طاعته وجرمه. له في الخير مجال رحب وله في الشر ذيل سحب، وقد تساهل كثيرون في حفظ هذه الجارحة فأطلقوا لها العنان، وتساهلوا في الاحتراز من آفاتها وغوائلها، والحذر من مصائدها وحبالها. ولهذا كانت آفاتها عظيمة، وانتشرت بين فئام كثير من أبناء المجتمع؛ آفات عظيمة نشأ فيها الصغير ودرج عليها الكبير، وتساهل بها الكثير. وبسبب هذه الآفات تولدت بين بعض الناس الأحقاد، وثارت الضغائن، وهاجت بينهم رياح العداوة والبغضاء. وهي مفضية إلى معاص تغضب الرب جل وعلا، وتخرج العبد من ديوان الصالحين وتدخله في زمرة العصاة الفاسقين. ومن أوبئة هذه الجارحة المنتشرة: داء السخرية والاستهزاء والتنابز بالألقاب وهو أمر محرمٌ بنص قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأؤلئك هم الظالمون» وقوله- صلى الله عليه وسلم-: «بحَسْبِ امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»، والسخرية تعني الاستهانة والتحقير والتنبيه الى العيوب والنقائص على وجه يضحك. وأشد أنواع الاستهزاء وأعظمها خطراً: الاستهزاء بالدين وأهله؛ ولخطورته وعظم أمره فقد أجمع العلماء على أن الاستهزاء بالله ودينه وكتابه ورسوله وآياته وعباده الصالحين، فيما فعلوا من عبادة ربهم: كفر بواح، يخرج من الملة بالكلية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفرٌ يكفر صاحبه بعد إيمانه». وقد تفنن أقوام في أنواع السخرية والاستهزاء، فهناك مَنْ يهزأ بالحجاب، وآخر يسخر من تنفيذ الأحكام الشرعية، ولمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نصيب من ذلك. وكما أن سنة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- أيضاً لها نصيب من مرضى القلوب فظهر الاستهزاء باللحية وقصر الثوب وغيره. وَلِنعلمَ خطورة الاستهزاء على دين الرجل فلنستمع إلى قوله تعالى: «ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم». هذه الآفات تبين كيف أن اللسان قد يصبح خنجرا مسلولا من داخل الإنسان نفسه فيكون فيه عطبه وهلاكه ولذا جاء في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللهِ، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم». ضع لوحة دائمة أمام لسانك مكتوبا عليها: (قف وتأمل قبل أن تتكلم). تشفير وجدت سكوتي متجرا فلزمته إذا لم أجد ربحا فلست بخاسر وما الصمت إلا في الرجال متاجر وتاجره يعلو على كل تاجر