أستاذ الإدارة الاستراتيجية والتسويق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن تعرفت على طالب ياباني كان يمضي في العقد السادس من عمره، واسمه ياماساهارو كان مولعاً بتسلق الجبال والتزود بالعلم والمعرفة، وذلك عندما كنت في برنامج اللغة الإنجليزية خلال الدراسة في الولاياتالمتحدة. كان السيد ياماساهارو يقضي عطلة نهاية الأسبوع في تسلق الجبال في كاليفورنيا لأنه يجد فيها متعة وتحديا للعمر والشيخوخة. ولقد أثار زملاء السيد ياماساهارو انقطاعه عن الدراسة مدة تجاوزت ثلاثة أيام مما شدني لسؤال أحد الطلبة اليابانيين عنه فقال انه في المستشفى بسبب إصابته في حادث مروري في الجبال خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث فقد توازنه في أحد المنعطفات الجبلية مما أدى إلى سقوطه من دراجته وارتطامه بحاجز من الخرسانة الأسمنتية مما أدى إلى تكسر ثلاثة ضلوع. تعافى ياماساهارو وعاد إلى معهد اللغة بروح جديدة ومعنويات قوية. سأله معلم اللغة الإنجليزية "جون" عن صحته ونصحه بعدم المجازفة، لكنه ضحك ورد بأنها ليست النهاية وسيعاود ركوب الدراجة وقضاء نهاية الأسبوع في تسلق جبل الماموث الذي يعتبر من الجبال المثيرة في الشتاء عندما تغطيه طبقات الجليد ويقصده الناس من كل مكان في كاليفورنيا وغيرها من الولايات المجاورة. السيد ياماساهارو عنيد ومغرم بالمجازفة بالرغم من تقدمه في العمر، فقد تمنى أن يوفق في تسلق جبال الهمالايا للوصول إلى قمة "إفيريست". سردت هذه القصة لإثارة بعض المتقاعدين السعوديين الذين يتوقف عطاؤهم وتعليمهم عند سن التقاعد لأنهم قبلوا بأن يوصفوا بالمتقاعدين مما يعني أنهم انتهوا وانسحبوا من مسرح الحياة، لذلك يجب ألا يعني سن التقاعد بداية العد التنازلي للعطاء والطموحات فهو ليس إلا وقفة بسيطة وتغييرا في المألوف الذي عاشه الإنسان لستة عقود، وليبدأ رحلة النضج والنجاح التي اكتسب مقوماته خلال العقود الستة الماضية. فكم من متقاعد بدأ حياة جديدة مثمرة افضل واكثر إنتاجية مما كان عليه قبل تقاعده في العمل النمطي الممل "الروتين" العقود الستة!!!. ومن المثير للدهشة أن البعض يتحدث عن رغبته في التقاعد قبل بلوغه سن الستين لأنه سئم الوظيفة ويريد الراحة بعد عناء طويل مما يشير إلى أن المرحلة القادمة في حياته ستكون أقل إنتاجية وعطاءً بسبب الرغبة في التقاعد المبكر، خاصة إذا كان يقصد بذلك الراحة التامة من الوظيفة والأعمال الخاصة. إصرار الإنسان على التفوق والتميز والنجاح يجعله لا يقبل بالتقاعد عند سن معين ليعمل حتى آخر يوم في حياته ما دام يستطيع ذلك، فالانسحاب من الحياة بعد بلوغ سن التقاعد يزيد من الاكتئاب ويعرض الإنسان لانتكاسات نفسية، لذلك يرفع العمل من معنوياته ويزيد من قيمته في المجتمع وبالتالي تقوى ذاته التي تعتبر الأساس لوجوده. وقد حدد علماء النفس شخصية الإنسان في ثلاث هي الذات الأنانية والذات العقلانية والذات المثالية. وتعتبر الذات العقلانية الأكثر ارتباطاً بالإنسان المعتدل في تصرفاته لأنها توازن بين الأنانية والمثالية. والإنسان بحاجة للذات العقلانية التي قد تتدنى مع تدني معنوياته عندما يعتقد أو يتصور أنه أصبح غير منتج بسبب بلوغه سن التقاعد. ويرى عالم السلوكيات "ماسلو" أن تحقيق الذات من أعلى مراتب الحاجات الشخصية للإنسان، لكنها تتناقص حسب اعتقادي عندما يتقاعد الموظف بسبب شعوره بأنه لم يعد بمقدوره الاستمرار في العمل نتيجة استغناء شركته عنه بسبب بلوغه سن التقاعد. وعندما سقت هذا المثال عن السيد ياماساهارو كنت اقصد من ذلك أن المتقاعد لا يتوقف طموحه وعطاؤه وتعلمه ونموه وتحديه للصعوبات بعد سن التقاعد الذي سنته الدولة لإعطاء الآخرين الفرصة للمساهمة في العطاء والنمو، وليس للجم عطاء ونمو المتقاعد والله من وراء القصد.