في بعض أنحاء مدينتنا، تغتال أحلام وتقهر أنفس وتدمر آمال، بلا رقيب ولا حسيب. في تلك الأنحاء، توجد بيوت معتقة بأجود أنواع الصبغ ومفروشة بأجمل الأثاث، ولكنها بيوت تفتقد الرحمة والحلم والوفاء وسعة الأفق والحس الإنساني. في تلك الأماكن، لا تسرح المرأة بإحسان، بل تسرح بعذاب وقهر وآلام، وهذا هو الذي عانت منه «مريومة»، وهو تصغير لاسم مريم. تربت «مريومة» بين أحضان والديها، حيث التحقت بالمدرسة وكانت تأمل بإكمال دراستها لتصبح معلمة، ولكن شاء قضاء الله أن يتوفى والدها. ضاقت الدنيا ب «مريومة»، وهوت أحلامها، حيث أصبحت أسرتها بلا عائل. ابتعد الأقارب عنهم وأصبحت أسرة «مريومة» تحت رحمة المتصدقين ونظرات الشامتين. بينما الأيام تمضي، كان وضع أسرة «مريومة»، يزداد فقرا. لم يعجبها هذا الوضع بل دفعها للتواصل مع الخطابات والمعارف لتسويق نفسها للزواج لكي تحسن من وضع أسرتها المعيشي! مضت أيام وأيام، وفجأة اخبرهم احد معارفهم أن رجلا معروفا بأخلاقه وسمعة أهله يود أن يتقدم لخطبتها. زغرد أفراد الأسرة بصمت وتراقصت آمال «مريومة» بمستقبل سعيد. تم عقد القران واستلم الأهل المهر، الذي ذاب بسرعة، لسداد ديون الأسرة وتجهيز «مريومة» للزوج الجديد. بالغت «مريومة» عن عمد في وصف أخلاق عريسها ومدى حبه لها وقالت انه يكاد يطير بها فرحا. وهكذا كان، حيث أغدق العريس عليها الذهب واثث بيت أهلها وبالغ في إقامة الولائم. ولكن دوام الحال من المحال! حيث تعرف زوج «مريومة» على مجموعة من الشباب الذين أطنبوا في وصف نساء من خارج الوطن. ومن هناك بدأ زوجها في التفكير في السفر لتلك الأماكن. لم تخبر «مريومة» أهلها بما يحصل، بل حاولت أن تختلق أعذارا تبرر غيابه عن زيارة أهلها. وفي يوم من الأيام تفاجأت «مريومة» بزوجها يدخل عليها البيت مصطحبا معه زوجة جديدة، حيث طلب منها أن تخلي غرفة لها لإسكانها في نفس البيت! لم تعلم «مريومة» ماذا تفعل بهذه الصدمة. أصيبت بالتوتر والتشنج. وبعد نزاعات وشجار وضرب بالأيدي ودهس بالأرجل وصراخ وعويل، طلقت «مريومة» اليتيمة وطردت وطفلاها من البيت، حيث رجعت إلى بيت أسرتها الفقيرة مكسورة الخاطر والوجدان. وقد خصص الأهل لها غرفة قديمة مع طفليها حيث لا يوجد بها مكيف ولا ثلاجة ولا أثاث. بل طلب الأهل منها دفع فاتورة الكهرباء! لم يأبه الزوج العاق بإرسال مصروف لطفليه وشراء حفاظات وحليب لهما، بل كانت «مريومة» تشتري ذلك من أموال الصدقات. وقد كانت «مريومة» تفرح بقدوم عيد الأضحى حيث يهدى لها لحم الأضاحي. ومع تقادم الأيام، انتشرت الأمراض النفسية والجسدية في جسم «مريومة». قاومت ثم قاومت ولكن الموت عاجلها. في يوم وفاتها، سارع أقاربها الذين هجروها لتغسيلها وبكوا عليها، ولكن جثمانها لم يبك ولكنه ابتسم للذين قهروها ودمروا كيانها ومستقبلها! الطلاق يهدم كيان المرأة ويدمر ذاتها ويهزم روح الألفة داخل الأسرة. اللهم اغفر ل «مريومة» وادخلها الجنة.