أعرف زميلاً لي كثير الشكوى. أجده شاكياً في كل مرة أقابله، ولأي شخصٍ يقابله، يشكو من مديره.. من أُسرته.. من زملائه في العمل.. حتى التصقت به هذه الصفة، وإن لم يجد ما يشكو به فسيتذمر من الغلاء وغيره. ولا ينقصه سوى موسيقى حزينة لتبدأ مُحاضرته المستمرة بعنوان (أوف .. ما يصير). على غرار ذلك، لي صديقٌ آخر، يحبُ كثيرون مثلي الجلوس معه، فهو بشوشٌ دائماً.. ضَحُوكٌ حتى تبين نواجذه.. دائماً يقص علينا يومياته التي تطغى عليها السعادة ويزينها المرح. وإن لم تُوجد لديه قصص طريفة، فلا يشكو حالاً حزيناً، بل يفتعل الفرح ويُدخله على قلوب من حوله، رغم غربته وبُعده عن أُسرته. أذكر مرة أنني كنت جالساً مع أحد أقاربي، بعد عودتي من العمل، ووصفتُ له يومي بأنه "كان يوماً شاقاً تحت درجة حرارة أربعينية". فرد عليّ قائلا: "هذا جزاؤك لأنك لم تكمل تعليمك الجامعي!". فصدمني رده لأنني لم أقل ذلك متضجراً ولا شاكياً بل واصفاً ليومي في العمل، وهذا يدفعني للقول بأن أسوأ أوقات الاستماع للشكوى تكون بعد فترة الدوام.. في أوقات الراحة. كثيرةٌ هي تجاربي مع هذا الصنف من الناس، فقد كنت اصطحبهم معي للجلوس في كوفي شوب أو مطعم، وكانوا ينغّصون عليّ بدلاً من أن ينفّسوا عنّي ضغوط العمل وتراكم الروتين. لذلك عاهدتُ نفسي ألا أصطحب غير أصحاب الوجوه البشوشة، والابتسامة والسعادة، حتى أتعلم منهم أشياء كثيرة تُفيدُني في حياتي، وكان مما تعلّمت أن أُردد ما جاء في قول الله تعالى في سورة البقرة «وَعَسَى أنّ تَكرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أنّ تُحِبوا شَيئاً وَهُوَ شَرٌ لَكُم وَاللهُ يعلَمُ وَأنّتُم لا تَعلَمُون».. تعلّمتُ أيضاً أن أتذكر، عندما أركب سيارتي وأُمَنّي نفسي بسيارة فارهة، أن كثيراً من الناس لا يملكون سيارات جديدة، ومنهم من لا يملك سيارة، فأحمد الله. تعلّمتُ أن أتذكر، عندما أدخلُ منزلنا وأُمَنّي نفسي بقصرٍ كبير، أن كثيراً من الناس لا يملكون منزلاً حديث التأثيث، ومنهم من لا يملك منزلاً يأويهم، فأحمدُ الله. تعلّمتُ أن أتذكر، عندما أشعرُ بكسلٍ عند الاستيقاظ للعمل في الصباح الباكر، أن كثيراً من الناسِ لا يملكون وظيفة، فأحمدُ الله. تعلّمتُ أن أُضمِر شكوايَ لله سبحانه وتعالى، وأرضى بقدره وأحمده على نِعَمِهِ التي لا تُحصى، تعلّمتُ أن أتذكر دائماً أن رضايَ بقدر الله، والقناعة يعززان من تحقيقي لِطموحي ومُواصلة رحلة تحقيق أهدافي في الحياة.