اختفت صغيرتها التي لم تتجاوز الخمسة أعوام من المنزل .. بحثت عنها في كل مكان .. تحت المقاعد .. خلف الأبواب .. في خزائن المطبخ والملابس وعند أرفف المستودع .. داخل الثلاجة .. وفي الأدراج ..!! لم تستثن في بحثها عن صغيرتها موقع شبر إلا وبحثت فيه نادبة باكية .. بحث معها زوجها وأبناؤها .. جلست منهارة مستسلمة .. قالت في نفسها ليتني أجدها .. ليتني أجدها وإن كانت جثة هامدة .. المهم أن أجدها ...!! سار في ذهنها شريط من الذكريات .. في لحظة واحدة مرت أمامها أحداث سنوات .. تمنت لو يتوقف الألم وتصحو من كابوس مزعج .. ولكن صوت زوجها وهو ينادي صغيرته باكياً شاكياً .. كان يؤكد أنها تعيش الواقع ... انتهت القصة .. استوقفتني كثيراً طبيعة الطمع البشري التي تجعلنا لا نشعر بقيمة الأشياء ولا الأشخاص إلا حين نفقدهم .. استوقفني بحثنا عن بقعة أمل لهدف مرجو في حين نعيش مساحات شاسعة من الفرح .. للأسف قد لا نراها .. أزعجني كثيراً الباكون ... الشاكون "جمع شاكٍ" .. المتململون .. المتضجرون .. الناقمون دوماً على حياتهم وظروفهم وآمالهم التي تأبى أن تتحقق في ظل يُبس عقلياتهم وتحجر أهدافهم ..!! وما أكثرهم الذين يرون للسعادة نافذة واحدة لا تفتح إلا على هدفهم المتوحد لطموحهم المزعوم مقفلين بقية نوافذ الخير والفرح والراحة والنعم التي تشرق كل يوم في صباحاتهم ولكنهم .. لا يرونها ولا يشعرون بها إلا حين تقفل فجأة في وجوههم وتقتنص احتياجاتهم .. قال بشر منا لا ينطق عن الهوى عليه أفضل الصلاة والتسليم (من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا)صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكم منا يعيش حالة التذمر والشكوى .. في حين الدنيا كلها في حيازته دون أن يشعر..؟؟ لا يكفي أن نقول "الحمد لله" وهي الكلمة الأكثر على ألسنتنا في حين لا نعي معناها ولا نستشعر حقيقتها بدليل ما يعقبها من شكوى وتذمر ..! بقي أن أقول لكم إن الأم وجدت أخيرا صغيرتها تختبئ تحت أحد المقاعد بعد أن مضى أقل من ساعة في البحث عنها كانت كأنها دهر في إحساس والديها .. مجرد لهو طفلة جعل أسرتها تشعر بقيمة وجودها .. قد نحتاج لإخفاء عدد من الأشخاص وما لا يحصى من الأشياء لنعرف أي نعمة نعيش وأي نوع من السعادة نحيا ؛ وعلى رأسها الصحة .. العافية .. الحمد لله من قبلُ ومن بعد .