لَيسَ الغَبِيُّ بِسَيِّدٍ في قَومِهِ لَكِنَّ سَيِّدَ قَومِهِ المُتَغابي قَد ذَلَّ شَيطانُ النِفاقِ وَأَخفَتَت بيضُ السُيوفِ زَئيرَ أُسدِ الغابِ (أبو تمام) ليس مهما إذا كنت لم تسمع من قبل عن شركة «إتش سي إل تكنولوجيز» (HCLT). ما يهم هو أن لا تفوت الدروس القيمة التي يمكن استخلاصها من رحلة رائعة للشركة لكي تصبح واحدة من أعظم شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات العالمية الأسرع نموا في الهند. فقد تحولت الشركة خلال خمس سنوات من منظمة متوسطة الأداء إلى رائدة في مجالها بفضل قائدها المبدع والإنسان الذي غير قواعد اللعبة ونفذ قائمة قصيرة من أفكار الإدارة غير التقليدية للغاية. لقد كانت جهوده وجهود موظفيه قادرة على تحويل الشركة إلى منافس قوي على مستوى العالم. كانت الشركة في الفترة من 2000-2005 تتقهقر، على الرغم من أنها كانت تنمو بنسبة 30% سنويا، حيث إن أداء المنافسين للشركة كان أفضل. عندما أصبح رئيسا في عام 2005، ومن ثم الرئيس التنفيذي في عام 2007، وضع فينيت نايار ما سماه «رحلة رائعة لاكتشاف الذات» لتحسين أداء الشركة باستخدام نهج إدارة فريد من نوعه. كان الهدف هو إنشاء شركة موظفين متفردة، لذا، فقد سعى نايار لقلب الهرم الاداري لصالح الموظفين، وتجذير الشفافية ومبدأ المساءلة داخل المنظمة، وتشجيع ثقافة تسعى لتحقيق القيمة. وقد تنبهت الشركة أن القيمة في قطاع الخدمات بشكل عام، لا تُخلق في المكاتب الخلفية ولكن عند التفاعل والالتقاء بالعملاء وجها لوجه. لذلك توصلت الشركة إلى أهمية تفعيل دور الموظفين وإعطائهم الصلاحيات من أجل أن يقدموا قيمة أكبر للعملاء. فعندما يكون الموظف في منتهى السعادة، فإنه سيجعل العميل سعيدا أيضا. كل هذا، ولّد المبادرة غير التقليدية المسماة «الموظفون أولا، والعملاء ثانيا». فكرة واحدة صغيرة يمكن أن تشعل ثورة، تماما كما يمكن لعود ثقاب واحد أن يشعل نارا كبيرة يصطلي بها الناس. فقد أشعلت فكرة الاهتمام بالموظفين أولا قبل العملاء ثورة في شركة «إتش سي إل تكنولوجيز»، الشركة الرائدة في الخدمات الإلكترونية، التي بلغت مبيعاتها لتسعة أشهر فقط من هذا العام (2014) حتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر) 5.5 بليون دولار. وبلغ عدد موظفيها حوالي 95 ألفا، منتشرين في 31 دولة في العالم. كان الرئيس التنفيذي للشركة، فينيت نايار، قد أعلن في العام 2005 عن فلسفة مفادها أن الموظفين لهم الأولوية على العملاء. ويروي كيف انه تحدى الحكمة التقليدية القائلة بأن الشركات يجب أن تضع الزبائن أولا. فقد قلب التسلسل الهرمي رأسا على عقب من خلال جعل الإدارة مسؤولة أمام الموظفين، وليس العكس. وبذلك، أطلق نايار مخيلة كل من الموظفين والعملاء ووضع الشركة على مسار تحول جعل منها واحدة من أسرع الشركات العالمية نموا وربحية في قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات. أدت جهود نايار ورفاقه في نهاية المطاف إلى أن تصبح الشركة كما وصفتها مجلة فورتشين بأنها منظمة تمثل «الإدارة الأحدث في العالم». كما أُعلنت بأنها الأولى كأفضل صاحب عمل في الهند وآسيا والمملكة المتحدة، فقد أصبحت أساليب قيادة نايار تلفت العديد من الرقاب باتجاه الشركة. وبدأت كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد تدريس الطلاب عن الشركة كحالة دراسية تستحق التوقف عندها. في الوقت الذي سمّت فيه مجلة بيزنيس ويك الشركة بأنها واحدة من أكبر خمس شركات ناشئة، فقد أصبحت استراتيجية نايار للإدارة ظاهرة عالمية. كما أعتبرت مجلة بيزنيس ويك الشركة بأنها واحدة من العشرين شركة الأكثر نفوذا في العالم. يروي نايار في كتابه الصادر في العام 2010 كيفية تنفيذه هو وفريقه لفلسفة أن الموظف يأتي أولا، من خلال خلق شعور بالإلحاح مع زيادة سلطة الموظفين وتمكين العاملين من معرفة حقيقة الوضع القائم للشركة وكذلك الشعور بالفخر بوضع الشركة المحتمل في المستقبل، والسعي لخلق ثقافة الثقة عن طريق رفع مستوى الشفافية في التواصل وتبادل المعلومات. كما دفع بالمزيد من الاهتمام نحو تحقيق رغبة الموظفين في الأمن الاقتصادي. فهو قد قلب الهرم التنظيمي بجعل رئيس الشركة والمسؤولين فيها مسؤولين أمام الموظفين، وقد شملت مبادرته إطلاق إمكانات الموظفين من خلال تعزيز عقلية الريادة في العمل واللامركزية في صنع القرار، ونقل ملكية «التغيير» إلى الموظف، في الجوانب التي تكون فيها القيمة المُضافة أكبر، والتي سماها «منطقة القيمة». يوضح نايار أن هناك أربع مراحل مرت بها الشركة في طريقها للوصول إلى النجاح الذي حققته. وهذه المراحل هي: (1) أن تنظر الشركة إلى نفسها عن كثب لتحدد التغيير المطلوب، وهو الوقت الذي تقرر فيه صورتها التي تريد في المستقبل، و(2) «الثقة من خلال الشفافية»، والتي تنطوي على خلق ثقافة تتضمن التغييرات اللازمة لتحويل الشركة إلى شيء أفضل، و(3) قلب الهرم التنظيمي، خلال هذه المرحلة ركزت القيادة على منطقة القيمة، حيث يتم إنشاء قيمة مضافة للعملاء. عن طريق جعل المديرين والرؤساء مسؤولين أمام الموظفين الذين يخلقون أكبر قيمة، وذلك يجعل التغييرات أكثر استدامة وصمودا، و(4) إعادة صياغة دور الرئيس التنفيذي للشركة، وهذا يستلزم نقل مسؤولية التغيير من الإدارة العليا إلى الجيل القادم من القادة الذين يعملون في «منطقة القيمة». هذه هي الطريقة التي يشعر بها الموظفون بأنهم ملاك للشركة، والتي تجعلهم يركزون على خلق المزيد من القيمة. هناك العديد من البرامج والمبادرات الفريدة التي قامت بها الشركة في ظل فلسفة «الموظفين أولا، والعملاء ثانيا»، ولكن لا بد من ذكر بعضها للاستفادة. هناك مناسبة سنوية تناقش فيها القضايا الإستراتيجية ومفتوحة لكل الموظفين، يقوم فيها الرئيس وبحضور فريقه القيادي بمشاركة الموظفين رؤية واستراتيجية الشركة. وكَذَلِك يردون على أسئلة واستفسارات الموظفين في جلسات تفاعلية، لكي يتكلم الجميع بنفس اللغة ويعرف كل موظف كيف تتسق مساهماته والتوجه العام للشركة. ويستقطع نايار هنا أسبوعين من وقته كل سنة ليحضّر لهَذِه المناسبة. كما يقضي أسبوعين آخرين لحضور جلسات هذه المناسبة في مواقع الشركة المتعددة. كما أحدث نايار مبادرة سماها «أنت وأنا»، تقوم على مبدأ الحوار التبادلي بين الرئيس التنفيذي للشركة والموظفين. ويخصص نايار هنا سبع ساعات من وقته أسبوعيا للرد على أسئلة وقضايا الموظفين، حيث يردّ بنفسه على حوالي 90% من تلك الأسئلة. ويثير هو أيضا بعض الأسئلة المهمة للموظفين. كما استحدثت الشركة تصويتا أسبوعيا للحصول على آراء الموظفين حيال قضايا الشركة المختلفة. وتنشر نتيجة التصويت على الإنترنيت ليراها الجميع، ويسترشد بها في اتخاذ القرارات. إلا ان من أهم المبادرات هو اجراء استطلاع سنوي لكل الموظفين بالشركة ليقيّموا أداء حوالي 1500 شخص من المسؤولين بالشركة حول 20 جانبا من جوانب أدائهم. والمثير في الأمر، هو أن النتائج تجمع وتنشر للجميع على الإنترنيت لكي يستطيع من يحصل على تقييم سلبي أن يصحح منهجه في الإدارة. والأشد غرابة في الأمر، أن نايار نفسه قد بدأ بتطبيق ذلك على نفسه قبل أن يطبقه على الآخرين بسنة كاملة. غادر نايار منصبه في الشركة العام المنصرم، وهو الآن منشغل في تحدٍ جديد أكبر. فهو يفحص فكرته في تعظيم سلطة الموظف وقلب الهرم الإداري رأسا على عقب في بيئة مختلفة مكونة من أطفال الريف الهنود. فهو يعمل الآن من أجل تحسين أداء نظام التعليم العام لحوالي 250,000 طالب في ولاية البنجاب، ولديه طموح برفع مستوى المعيشة في الإقليم بنسبة 30%، كنتيجة لتحسن مستوى التعليم فيها. وليس من المستغرب أن يبدأ نايار مهمته في إعادة صياغة التعليم العام في الهند بسؤال الطلاب عَنْ المشاكل التي رأوها. وقد كانت أهم شكوى حول المناهج والحصص المملة. وبناء على ذلك، فقد سعى لاستخدام الأساطير الهندية وأبطالها ومغامراتها كأمور أساس في تعليم الرياضيات والعلوم الأخرى، بالإضافة إلى التعلم عن طريق الأنشطة. فهو مؤمن بأنه لا يمكن أن يتعلم الإنسان إلا من خلال الإمتاع. ومن أجل أن يكون الإنسان فاعلا، فلا بد أن يكون سعيدا أولا. نايار كانت لديه الشجاعة ليس فقط للتحدث عن الديموقراطية في مجال العمل، ولكن تطبيقها فعليا في شركته التي يقودها. وقد لا يصلح نهجه الثوري في الإدارة لكل البيئات والمنظمات، ولكن بالتأكيد فإنه يصلح لكثير منها. وأهم الدروس المستقاة هو أن يجعل الرئيس نفسه قدوة لغيره ويبدأ بتطبيق الأشياء على نفسه أولا قبل الآخرين. كما أنه من المهم استخدام التكنولوجيا بشكل صحيح لتسهيل العمل وزيادة هامش الصلاحية في أيدي الموظفين. ولا بد من قضاء الوقت اللازم دون كلل أو ملل للتواصل مع الموظفين والرد على استفساراتهم وهمومهم العملية والحياتية. ومن المهم السعي لإدخال سلسلة من التغييرات الصغيرة، والتي يكون لها القدرة مجتمعة لإحداث الأثر المأمول على طريقة عمل الموظفين. بعض المسؤولين لا طعم لهم ولا لون ولا رائحة. يأتون إلى مناصبهم ويخرجون منها دون مبادرة أو أثر يذكر. فأكبر أثر يستطيع أن يتركه أي قائد أو مدير هو ما يمس الناس إيجابيا ويقوي من حبهم والتزامهم بالعمل، وما يجعل المؤسسة أكثر إنسانية وحيوية.