ليس الفتى من قال كان أبي... ولكن الفتى من قال هأنذا لطالما ترددت هذه العبارة بين الكل وفي المنتديات وفي الأماكن العامة ولكل من قال حين يُسأل أنا ابن فلان ويبدأ بذكر فضائل أبيه وانتمائه له وفخره بذلك.. فتجد من يتصدر لهذا المديح والثناء لذلك الابن فيقول (ليس الفتى من قال كان أبي).. لماذا لا يقول ؟ ولماذا لا يفتخر ؟؟ ولماذا لا يتحدث عن أبيه ؟؟ وهو مصدر اعتزاز له. بل الفتى من قال أبي والفتى من قال هأنذا.. فما نحن إلا امتداد لهذا الأب، وما نحن إلا جزء من سلسلته، والتي ستستمر حتى قيام الساعة. لماذا لا أقول كان أبي ولماذا لا أمتدح أبي وما كان عليه ولماذا لا أنتمي له سواء أكان أباً عظيما أو لا ,,ففي كلا الحالتين سيقدم لي هذا الأب كل ما في استطاعته لكي أعيش عيشاً كريماً لا ينالني إلا كل خير. والعجيب في الأمر أن المجتمعات قاطبة تستخدم الأمثال الشعبية وتأخذ معانيها من الفهم الصريح لها دون العودة للأصل في هذه المقولة ولما قيلت ولمن قيلت. والقصة هي.. أنه لمّا تولى الحجاج بن يوسف الثقفي شؤون العراق، أمر مرؤوسه أن يطوف بالليل، فمن وجده بعد العشاء ضرب عنقه، فطاف ليلة فوجد ثلاثة صبيان فأحاط بهم وسألهم: من أنتم، حتى خالفتم أوامر الحجاج؟ فقال الأول: أنا ابن الذي دانت الرقاب له مابين مخزومها وهاشمها تأتي إليه الرقاب صاغرة يأخذ من مالها ومن دمها وقال الثاني: أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره وإن نزلت يوماً فسوف تعود ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره فمنهم قيام حولها وقعود وقال الثالث: أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه وقوّمها بالسيف حتى استقامت ركاباه لا تنفك رجلاه عنهما إذا الخيل في يوم الكريهة ولّت فترك قتلهم لأن أمر آبائهم كان عظيما. فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج، فأحضرهم وكشف عن حالهم، فإذا.. الأول ابن حجام، والثاني ابن خباز، والثالث ابن حائك. فتعجّب الحجاج من فصاحتهم، وقال لجلسائه: علّموا أولادكم الأدب، فلولا فصاحتهم لضربت أعناقهم، ثم أطلقهم وأنشد: كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محمودة عن النسب إن الفتى من يقول هأنذا ليس الفتى من يقول كان أبي وهذا هو الأصل في العبارة المنشودة وليس القصد هو المنع عن الانتساب للأب أو ذكر فضائله أيما كانت وكيفما كانت. والعجب الآخر أني أكاد أن أجزم أن أغلب الرسائل والتغريدات وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد على البر بالأم والتقرب للأم وخدمة الأم ولا يكاد هذا الأب يذكر إلا فيما ندر بالرغم من أن له مكانة كبيرة لا نكاد نراها إلا حين فقدها.. وإن كانت الأم هي اللبنة الأساسية في كل أمر، نعم ولكنها تستقي القوة من هذا الأب ومن وجوده ومن تعاونه معها في شتى الأمر، بدءا من تدبير المنزل والقوت ونهاية إلى زرع الأمن والأمان... ومهما كانت قوة الأم وقدرتها تظل مكانة الأب شامخة قوية. الأب نعمة.. ونعمة كبيرة لن يدركها إلا من فقدها وعندها سترى أن الفتى من قال كان أبي والفتى من قال هأنذا.. قد يكون الأب ليس بذلك العظيم وليس بذي السمعة القوية وليس بالنسب المعروف وليس ذا مال وفير.. ولكن ألا يكفي أنه (أبي). * تربوية متخصصة بالعلوم الشرعية والنفسية