حذر إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ المسلمين من المعاصي والذنوب والقول على الله بغير علم.وقال في خطبة الجمعة أمس أخطر المعاصي وأشد الذنوب القول على الله جل وعلا بغير علم وبيان ، والخوض في الشريعة بغير حجة ولا برهان ، فربنا جل وعلا يقول (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) . وأوضح فضيلته أن التصدر للفتوى أمر عظيم وشأن كبير لا يجوز الإقدام عليه إلا لمن كان ذا علم ضليع وعقل سديد جثى بالركب أمام العلماء الربانيين وسهر الليالي لتحصيل أدلة الوحيين والبصر بقواعد ومقاصد الدين ، وعلى هذا المنهج تربى السلف الصالح وتواصى عليه العلماء الربانيون. قال أبو بكر رضي الله عنه ( أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم) ، ويقول عبدالرحمن بن أبي ليلى رحمه الله (أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان منهم محدث إلا وَدّ أن أخاه كفاه الحديث ولا مفتي إلا وَدّ أن أخاه كفاه الفتوى) . وشدد الشيخ حسين آل الشيخ على أن الفتوى مجال عظيم الخطر كبير القدر وضرورة إحكام قواعدها الشرعية وضوابطها الدينية خاصة في نوازل الأمة وأيام الفتن ، قال سبحانه (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول (من قال علي ما لم أقل فليتبوأ بيتاً من جهنم ومن أُفتي له بغير علم كان إثمه على من أفتاه). يقول سحنون بن سعيد رحمه الله (أجرأ الناس على الفتوى أقلهم علماً) . وبين فضيلته أن منصب الفتوى مداره على العلم الحقيقي والدراية التامة بنصوص الوحيين وأقوال العلماء السابقين ومقاصد الشريعة وأهدافها العظيمة وأن الويلات لتنزل والمصائب تحل حينما يتصدر من فيه جراءة على الفتوى بغير بحث عميق ولا علم دقيق ودراية وافية ، فرسولنا صلى الله عليه وسلم قال (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) . وحذر فضيلته من السقطات موصياً بتذكر العرض على رب الأرض والسماوات وقال (لنتذكر قول الخطيب البغدادي رحمه الله (قل من حرص على الفتوى وسابق إليها وثابر عليها إلا قل توفيقه واضطرب في أمره وإذا كان كارهاً لذلك غير مختار له وما وجد مندوحة عنه ولم يقدر أن يحيل الأمر فيه على غيره كانت المعونة له من الله أكثر والصلاح في فتاويه وجوابه الأغلب) . يا من يطالع العالم في الفضائيات والشبكات فما سأله أحد إلا وجدته متصدراً للفتوى مسارعاً تذكروا أنكم ستقفون أمام رب العالمين فاحذروا من التسرع في الفتوى وتجنبوا تعجل القول في كل صغيرة وكبيرة وفي كل شأن. يقول ابن مسعود رضي الله عنه (إن الذي يُفتي الناس في كل ما يسألونه لمجنون) . واستعرض جانبا من منهج السلف الصالحين وأقوال العلماء العاملين ، فقال (قال علي رضي الله عنه (وأبردها على كبدي ثلاث مرات أن تسأل الرجل عما لا يعلم فيقول : الله أعلم) ، ويقول بن عباس رضي الله عنهما (إذا غفل العالم عن لا أدري أصيبت مقاتله) ، وعن عقبة بن مسلم قال (صحبت بن عمر رضي الله أربعة وثلاثين شهراً فكثيراً ما كان يُسأل فيقول لا أدري ثم يلتفت إلىّ فيقول تدري ما يريد هؤلاء يريدون أن يجعلوا ظهورنا جراً إلى جهنم ، وأقوال التابعين في ذلك مشهورة متواترة ، قال أبو حصين (إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر) وقال أبو عثمان الحداد (من تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة) ، ومكث سحنون متحيراً في فتوى ثلاثة أيام ولما قيل له قال (مسألة مفصلة) قال المستفتي أنت لكل معضلة قال (هيهات يا بن أخي ليس بقولك هذا أبذل لكل لحمي ودمي إلى النار) . وأبدى فضيلته أسفه لما ظهر عن الكتاب والمثقفين في الإعلام الإسلامي ممن نصب نفسه مفتياً في علوم الدين والإفتاء بما يخالف قواعد الدين مثل تلك الدعوات التي تدعو لبدعة المولد النبوي وأنها لا بأس بها مع تقرر أقوال العلماء في أنها بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ومثل الدعاوى التي تتضمن تحرير المرأة المسلمة من حجابها وعفتها وغيرها من الدعوات التي تخالف ثوابت الدين وقواطع الوحيين محذراً فضيلته كل الحذر من مثل هذه الكتابات السخيفة والأقوال الممجوجة وقديماً قال ربيعة شيخ مالك (وبعض من يُفتي هنا أحق بالسجن من السراق) . وشرح إمام وخطيب المسجد النبوي منهج الصحابة والتابعين في الفتوى وقال إن الفتوى تتطلب تصوراً صحيحاً للمسألة النازلة تصوراً يحيط بجوانبها ويكشف ملابساتها ويتضمن في ظاهرها وباطنها مع تنزيل ذلك على الأدلة الشرعية الصحيحة والقواعد القرآنية العامة والنصوص النبوية وفق تقوى للرب جل وعلا وهمة منهم وحسن قصد وتجرد للحق وفق منهجية سليمة في إحكام قواعد الاستدلال وضوابط النظر التي سطرها العلماء وقرروها وليتذكر من أبتلي بالفتوى وجوب التثبت والتأني ومراعاة المشورة وتقليب أوجه النظر وعدم التسرع والتعجل فبذلك يقع المفتي في الزلل ويجانب الصواب كما ترى ذلك في أرض الواقع. قال مالك (العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق) ، وقال ابن القيم (وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى) ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول ( أشد ما أتخوف على أمتي ثلاثاً زلة عالم.. وهذا إنما يحصل بالفتوى ، وجدل منافق في القرآن ودنيا تقطع رقابكم فاتهموها على أنفسكم) ، وصح عن عمر أنه قال (يهدم الإسلام زلة عالم وجدال المنافق في الكتاب وحكم الأئمة المضلين) . وأضاف قائلاً (إن أعظم الضمانات لصحة الفتوى واستقامتها على طريقة الشريعة الإسلامية الحرص على مراعاة التورع عن الفتوى ما أمكن ، قال عطاء رحمه الله (أدركت أقواماً إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وأنه ليرعد) وكان ابن المسيب لا يكاد يفتي إلا قال (اللهم سلمني وسلم مني) وقال سفيان الثوري (أعلم الناس في الفتوى أسكتهم عنها وأجهلهم بها أنطقهم) ، وقال مالك رحمة الله على الجميع (ما أفتيت حتى شهد لي سبعون من أهل المدينة أني أهل لذلك ، ثم قال أدركت أهل العلم والفقه في بلدنا إذا سئل كأن الموت أشرف عليه ، ويقول أيضاً عن سائل ويحك تريد أن تجعلني حجة بينك وبين الله فأحتاج أنا أولاً أن أنظر كيف خلاصي ثم أخلصك) ، ويقول الشافعي رحمه الله (ما رأيت أحداً جمع الله جل وعلا فيه من آلة الفتوى ما جمع في ابن عيينه أسكت منه على الفتوى) ، وعن سحنون أنه قال يوماً (إنا لله ما أشقى المفتي والحاكم ثم قال هأنذا يُتعلم مني تضرب به الرقاب وتوطأ به الهروج وتؤخذ به الحقوق أما كنت عن هذا غنياً) . ومع هذا فلا بد للناس من يجيبهم في مسائل دينهم ويُبين لهم أحكام ربهم ولكن هذا يجب ألا يقول به إلا العلماء المؤهلون الذين بلغوا في العلم أعمقه وفي العقل أرجحه وفي الحكمة أتمها وفي التروي أشده وفي الخبرة أعظمها) .