الجريمة التي شهدتها محافظة الأحساء مساء يوم الاثنين الماضي لم تكن جريمة موجهة ضد الضحايا الذين سقطوا في قرية الدالوة الآمنة الوادعة، بل هي جريمة بحق الوطن كله من أقصاه إلى أقصاه وبحق المواطنين جميعاً بكل فئاتهم، ولا يختلف اثنان على فداحة ما ارتكبه من هم خلفها ومن خططوا لها أياً كانوا، وهي محاولة لزعزعة استقرار الوطن والتشكيك بالوحدة الوطنية التي يعيشها المواطنون بعيداً عن الاختلاف والتعصب المذهبي الذي نرى جميعاً كم هو باهظ ذلك الثمن الذي تدفعه الشعوب والبلدان التي يطلق العنان فيها للمتعصبين والمخربين للعبث بأمن الوطن وإثارة الضغائن والأحقاد بين أهله وإعطاء الفرصة للأيادي الأجنبية للتدخل في شؤونه. وقد كان استنكار هيئة كبار العلماء وإدانة مفتي عام المملكة لهذه الجريمة النكراء والحادث الأليم معبراً عن مشاعر المواطنين جميعاً، خاصة وأن هذا الاستنكار كان سريعاً وواضحاً، كما كان لسرعة الإجراءات التي بادرت إليها الجهات الأمنية وتمكنها من إلقاء القبض على الجناة والوصول إليهم في مناطق بعيدة عن مسرح الجريمة، وكذلك الكفاءة التي أظهرتها العيون الساهرة في التعامل مع الحدث والتي حازت على إعجاب الجميع؛ كان لكل ذلك الأثر الكبير في تهدئة الخواطر وتطمين المواطنين مما يدل على يقظة هذه العيون وكفاءتها واستعداد رجالها الذين سقط منهم شهيدان أثناء مطاردة المجرمين الذين أساؤوا لوطنهم مرتين يوم أن فعلوا فعلتهم في الأحساء ويوم قتلوا شهداء الواجب من رجال الأمن في بريدة. ومن المؤكد أن الكفاءة والاستعداد للتضحية التي أظهرها أفراد القوى الأمنية بمختلف تشكيلاتها ستكون رادعاً لكل من يمكر بهذا الوطن ويكيد لأمنه واستقراره، وسوف تجعله يحسب ألف حساب قبل أن يفكر في مثل هذا العمل الجبان مرة أخرى، خاصة في ضوء استنكار الفعاليات الشعبية من جميع المكونات الوطنية لما حصل وإدانتها لمثل هذه الأعمال، حيث وجهت شخصيات بارزة في المجتمع وخاصة في المنطقة الشرقية الدعوة لكافة أبناء المنطقة للابتعاد عن مثيري الفتنة وعدم تحقيق مآربهم في الإساءة والتحريض وإذكاء نار الفتنة التي سعوا إلى تأجيجها من خلال هذا العمل الذي لا يقره شرع ولا تجيزه مروءة، وبذلك يكون التلاحم بين المواطنين والتفافهم حول القيادة ورجال الأمن هو الرد الصحيح والمناسب. ويؤكد هذا الالتفاف في الوقت نفسه والثقة التي عبر عنها الجميع في قدرة القوى الأمنية وكفاءتها؛ أن الوطن سيظل منيعاً وأمنه سيظل عصياً على أي اختراق وأن كيد الكائدين سيرد إلى نحورهم دائما وأبداً -إن شاء الله-، مما يفرض علينا جميعاً أن نحافظ على وحدتنا الوطنية وأن نظل على انتباه ويقظة لأن يد الغدر والخيانة رغم فشلها سوف تحاول تكرار مثل هذه الأفعال الغادرة؛ مما يتطلب منا أن نكون يداً واحدة كما كنا دائماً في مواجهة هؤلاء حتى نفشل مخططاتهم ونحبط مؤامراتهم ونبقى المجتمع المترابط المتآخي الذي عشنا فيه دائماً إخوة متحابين متعاونين. وبهذا يكون ردنا على أعداء وطننا فاعلاً ومؤثراً. أما الانقياد وراء مثيري الفتنة فسوف يحقق مآربهم -لا سمح الله- ولست أظن أن مواطناً واحداً مخلصاً لوطنه يمكن أن ينقاد إليه أو أن يخدع به، وكلي ثقة أن الأهداف الدنيئة من وراء هذا العمل لن تتحقق أبداً أبداً -بإذن الله-، ولشهداء الوطن الرحمة والأجر ولأهاليهم الصبر والسلوان، أما المعتدون فلهم الخيبة والخسران وعليهم من الله ما يستحقون (ويمكرون ويمكر الله والله خير المٍاكرين). أكاديمي وباحث تربوي واجتماعي