يأمل الكثير من التونسيين أن تضع الانتخابات البرلمانية ونتائجها نهاية للمرحلة الانتقالية المستمرة منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي عام 2011، وقطع التونسيون "مرحلة تاريخية" بتصويتهم لانتخاب برلمان، وقدموا الدليل على أن الديموقراطية ممكنة في العالم العربي، و"بتأكيدهم تمسكهم بالديموقراطية، قدموا الدليل على أن الديموقراطية ممكنة في كل القارات وفي كل الثقافات". وهناك من يرى في هذه النتائج جاءت "تسونامي" هز الخريطة السياسية التونسية، وجرف أمامه العديد من الأحزاب السابقة التي احتلت المراتب الثانية والثالثة والرابعة في انتخابات 2011، وجاءت بالبرلمان التأسيسي، وفوز «نداء تونس» بالمرتبة الأولى، متقدماً بأكثر من عشر نقاط (37 بالمائة) على الأقل على منافسه "النهضة" جاء مفاجأة للكثيرين في تونس والمنطقة بأسرها، لأن معظم التوقعات كانت ترشح الأخير للفوز بأكثر من أربعين في المائة من الأصوات، وهذا لم يحدث، والنتيجة التي أظهرتها صناديق الاقتراع "صادمة" بالنسبة للحزب وقيادته ومؤيديه، ولكنها أثارت حالة من الارتياح في أوساط التونسيين، وبددت مخاوف متعاظمة لدى الناخب التونسي من هيمنة حزب واحد (النهضة) على العملية السياسية في البلاد انعكست في الإقبال المتوسط على التصويت. الناخب التونسي أظهر حالة كبيرة من الوعي الانتخابي والسياسي معاً، وقرر عقاب أحزاب عديدة من بينها حزبي "الترويكا" المؤتمر والتكتل اللذين تحالفا مع حزب النهضة، وقاد مثلثهم البلاد في المرحلة الانتقالية، وهي قيادة ثبت تواضع إمكانياتها وعدم قدرتها على إدارة دفة الحكم بمهارة، وإخراج البلاد من أزماتها الأمنية والاقتصادية ومواجهة موجات الإرهاب التي اجتاحتها، لقد وجه لهما "ضربة قاضمة" من الصعب أن يقفوا على أرجلهم من تأثيرها في المستقبل القريب. الإسلام السياسي في تونس مُني بضربة كبرى، تمثلت في تراجع حزب "النهضة"، ولم يعد الحزب "صانع الملوك"، ولولا أنه انسحب من الحياة السياسية قبل بضعة أشهر قابلاً بحكومة تكنوقراط بزعامة المهدي جمعة، لجاءت خسائره أكبر بكثير في الانتخابات التشريعية الأخيرة،. والخطأ الأكبر الذي ارتكبه الشيخ الغنوشي، تراجعه عن نواياه، بالتحالف مع الباجي قايد السبسي، وتعيينه رئيساً للجمهورية التونسية بعد انتخابات (اكتوبر) عام 2011 استجابة للضغوط والتهديدات، ولو قاوم هذه الضغوط فعلاً، وتمسك بالسبسي رئيساً للجمهورية في الفترة الانتقالية المقيدة بفترة عام فقط، لما دفع به الى التحدي وتشكيل تكتل «نداء تونس»، ويسلب الحكم من النهضة. وتعني النتائج غير الرسمية التي تم تداولها حتى اللحظة، مما أنّ كلا من حركة النهضة وحركة نداء تونس، قد ضمنتا الثلث المعطل أو الضامن، علما أنّ البرلمان المقبل الذي يطلق عليه "مجلس نواب الشعب" سيضم 217 نائباً، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه عقب نتائج الانتخابات التي لم تأت بحزب قادر على تشكيل حكومة بمفرده.. يدور حول احتمالات تشكيل ائتلاف حاكم بين الحزبين الكبيرين، "نداء تونس و"النهضة". وشكل تراجع حزب النهضة في الانتخابات نكسة أخرى للإسلام السياسي المعتدل، وقلبت انتخابات تونس كل المعادلات السياسية القائمة حالياً، وأظهرت من جديد قوة "المجتمع المدني" العائدة بصورة لافتة بعد تعثر الثورات العربية التي تزعم معظمها الإسلاميون وحصدوا نتائج انتخاباتها الأولى. وقال عضو المكتب التنفيذي للنهضة، سمير ديلو: إنّ "الحرية في تونس باقية." وقال ناشطون من الحركة على شبكات التواصل الاجتماعي: إنّ النهضة "هي التي فازت مع تونس" وإنّ الضامن لاستمرار الحركة أنّ "الحرية باقية وتمدد" في البلاد. لكن الأهم من ذلك، ومع مرور الانتخابات من دون أحداث أمنية أو توترات، فإنه يمكن القول: إنّ تلك الانتخابات لا تتعلق بتونس قدر ما تتعلق بغالبية دول المنطقة. فالتونسيون على وشك قطع خطوة عملاقة صوب الديمقراطية. ديمقراطية تتجذر وقال أنطوني دووركين، من مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي: "إذا استمر انتقال البلاد نحو الديمقراطية قدماً، فسيكون هناك علامة قوية على أن الديمقراطية يمكن أن تتجذّر في العالم العربي. وفي الوقت الذي يبدو فيه أي أمل للإصلاح السياسي قد تلقى انتكاسة في غيرها من دول المنطقة، تبدو تونس الدولة الوحيدة القادرة على تلبية الآمال في نهضة العرب في مستقبل قريب ." وأضاف: "حتى لو تم تجاهل المثال التونسي في المدى المنظور، بما لا يجعله قادراً على أن يلهم الغير مثلما كانت ملهمة الربيع العربي، فإنّ تجذير ديمقراطية ناجحة في البلاد، سيكون دافعاً قوياً للبقية ودلالة واضحة وقوية على أنّ الإصلاح والتعددية السياسية ليس مقدراً لها الفشل في العالم العربي."