ميزت استراتيجية الكيان الغاصب، منذ عدوان الخامس من يونيو عام 1967م، حتى يومنا هذا، بين الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد ركزت سياسة الاستيطان على الضفة الغربية، التي اعتبرت في الأدبيات الصهيونية، جزءا من أرض «إسرائيل». وكانت بيانات الحكومة الإسرائيلية، التي أعقبت احتلال الضفة والقطاع، قد أكدت عودة القدس والضفة مجددا، إلى الدولة العبرية، إلى يهودا والسامرة. ما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد في 13 من هذا الشهر، بالقدسالمحتلة، وشارك فيه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ورئيس حكومة العدو، بنجامين نتنياهو، أكد مجددا الموقف الصهيوني من الضفة الغربية. فقد أعاد نتنياهو التأكيد على أن إسرائيل لا تحتل القطاع، وأن الضفة الغربية هي جزء من «أرض إسرائيل». بما يعني أن من حق دولة الكيان الغاصب، مواصلة مصادرة الأرض وبناء المستوطنات. وهكذا وبجرة قلم، تنصل رئيس حكومة الكيان الغاصب، من كل التعهدات، والاستحقاقات، وقرارات الأممالمتحدة. وينسف جميع المبادرات الدولية والعربية، لتسوية عادلة للصراع، تؤمن حقوق الفلسطينيين، في دولة مستقلة فوق ترابهم الوطني. لقد جاءت تصريحات نتنياهو، هذه والتي تنصل فيها من كل المبادرات والتعهدات، وميز فيها بين النظرة إلى القطاع والضفة، بعد عقد مؤتمر المانحين، في العاصمة المصرية، القاهرة، بهدف إعادة إعمار غزة، وما أعقبها من الحديث عن ترتيبات، قيل إنها اتخذت من أجل المحافظة على التهدئة في القطاع، ونجاح عملية الإعمار. واضح أن حكومة نتنياهو، تريد استثمار حالة الهدوء المفترضة، وانشغال العالم بتضميد جراحات أهل غزة، لمواصلة نهجها العدواني التوسعي بالضفة الغربية، وبناء المستوطنات. إن هذا النهج العنصري، لن يكفل أبدا الأمن للكيان الغاصب، ولن يسهم في استمرار التهدئة في القطاع. وكان وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، قد أكد في خطاب المانحين، أن استمرار التهدئة في غزة، سيكون رافعة لاستئناف المفاوضات بين تل أبيب ورام الله، وأنه السبيل لمنع تجدد الحرب بين الفلسطينيين والصهاينة. يراهن قادة الصهاينة، على الحالة العربية الراهنة، الذي بدأت مع ما أصبح متعارف عليه بالربيع العربي، في بداية عام 2011، حيث غابت شعارات تحرير فلسطين، من أجندت الشباب اليافعين الذين قادوا عملية التغيير. وكان غياب وضوح الرؤية والقراءة الصحيحة، لخارطة المنطقة، وطبيعة مكوناتها، قد أدى إلى فشل ذريع لحركات التغيير، نتج عنه انهيار كيانات وطنية عربية عديدة، واشتعال حروب أهلية في أكثر من بلد عربي. لكن وعيا عربيا جديدا، بدأ يأخذ مكانه، بانزياح الظلمة عن أرض الكنانة، وتصاعد الدعوات لتأسيس دولة مدنية في ليبيا، بعد كنس كل الترسبات، التي نتجت عن هيمنة القوى الظلامية، على مقادير الأمور في هذا البلد الشقيق. لقد تكشف للجميع، مخاطر الهويات الطائفية على الأمن الوطني والقومي. وتجلت صورها الكاريكاتورية على الأوضاع في العراق وسوريا واليمن. إن الوعي بمخاطر الطائفية، على الوطن العربي، ومستقبل الأمة، يعنى استعادة روح الهوية الجامعة، ودولة المواطنة، التي لا بد أن تكون بوصلتها فلسطين، باعتبارها قضية العرب المركزية. فليس الصراع مع الصهاينة، مجرد صراع على أراض متنازع عليها، بل هو صراع كينونة ووجود. إنه صراع من أجل التنمية ومن أجل البقاء. ولن تكون مرحلة الثلاث سنوات المنصرمة، سوى حقبة قصيرة ناشزة، في صراع مرير مع المشروع الصهيوني، لن يكون بمقدور أحد تجاوز أبعاده الوطنية والحضارية. وسوف يناضل العرب طويلا، من أجل الوصول إلى حل عادل. فالسلام الحقيقي، ليس السلام الذي يأكل من جرفنا وينال من حقوقنا ويصادر مقدساتنا.. السلام الحقيقي، هو الذي يؤمن الكرامة والحرية لشعبنا الفلسطيني، ويضع العرب في المكان اللائق بهم كصناع حضارة، في خريطة التحولات العالمية، والذي يجلب الأمن الحقيقي للأمة العربية.