انتشار الكذب بين فئات المجتمعات البشرية هو أحد الظواهر المتفاقمة في أيامنا هذه، والمؤسف -وهو أمر يصعب مجرد كبحه- فإن الظاهرة في تفاقم مستمر ولد ويولد منتجات أشد ضررا وأكثر فتكا من الكذب وعلى رأس قوائم تلك المنتجات البغيضة النفاق -أعاذنا الله- وإياكم من همزه ولمزه ومبداه ومنتهاه، وكان بودي الحديث بلغة الأرقام لما يخص مجتمعنا السعودي الذي نهشه داء النفاق نهشا خرب ويخرب الجمال الذي فطرنا الله عليه في نواح حياتية مفصلية كثيرة، ونرجو الله السلامة أولا وآخرا، وحيث يُتًَداول في مجتمعاتنا بأن الغرب لايكذبون والمعني كما أفهمه هو في حال المقارنة بمجتمعاتنا، وهو شئ مؤسف في مجتمع يتطاول على العالم بعز كلمة التوحيد. وطالما أن الموضوع هو مقارنة فلا بأس من النظر إلى الجانب المعلوم من القضية، وأعني به انتشار الكذب والنفاق في المجتمع الأمريكي، حيث يطالعنا أحد الزملاء الخبراء في الكذب وهو الخبير روبرت فلدمان بحقيقة أن المواطن الأمريكي يكذب في المتوسط 11 مرة في اليوم الواحد ويزل بلسانه مرة لكل عشر دقائق عند الحديث المتواصل والهدف الظاهر لارتكاب هذا الخلق المشين هو حماية النفس ولكن الطامة الكبرى والتي دفعتني لأكتب لكم أحبتي في هذا الشأن هو تراكم البراهين العلمية على أن الكذب والنفاق الناتج عنه هو بمثابة نار حارقة، تحرق جسد صاحبها وتدمر أعضاءه. والجميل في هذه الحقائق العلمية الجديدة هو أنه على النقيض فإن الصدق يقوي الجسد، بل ويدعم المناعة ضد المرض، حيث تتناقص الى درجة كبيرة التهابات الحلق ونوبات الإنفلونزا والصداع، حيث قاد استاذان جامعيان من جامعة(Norte Dame) دراسة بعنوان (علم الأمانة) على 72 شخصا لمدة خمسة أسابيع قسموا الى مجموعة الكذب ومجموعة ضابطة، حيث تبين فوارق صحية هامة بين المجموعتين وتقول البروفسورة أنيتا كيلي، وهي قائدة البحث وفي نفس الوقت مشاركة في التجربة: إنها كانت تصاب بخمس إلى سبع نوبات برد في السنة وعندما أقلعت عن جميع أنواع الكذب فقد مضى عليها عام كامل دون حدوث أي نزلة برد، حيث يُعتٓقد بأن عملية الكذب ومجانبة الحقيقة تكلف القلب والدماغ، وباقي الجسد جهدا وتوترا كبيرا يساهم مباشرة في خفض مستويات المناعة عند الكذابين والمنافقين، مما يجعلهم أكثر عرضة لالتقاط عدوى، بل وللإصابة بالسرطان والأمراض المزمنة الكفيلة بأن تؤدي بصاحبها الى هلاك مؤكد. والرجال الاكثر عرضة للامراض على وجه العموم يكذبون ليظهروا بمظهر افضل عن طريق تزوير الحقائق بينما تكذب معظم النساء لتقوية مشاعر الطرف الآخر ويكون الكذب والنفاق في الإنطوائيين أكثر من المنفتحين، ويكون الأمر في أسوأ أوضاعه عندما يكذب المسؤول عن شأن الآخرين كمسؤول الدولة الذي تتفاقم مصائب نفاقه بحجم مايخفي من حقائق تمس خلقاً كُثُر، والامر كذلك عندما يكذب الطبيب على مريضه هو أمر مخجل وإن كان غير مستغرب في زمننا هذا الذي تحول فيه عدد من مرضانا الأبرياء إلى محطات تجارب لإجراءات جديدة تطبق فقط على مواطنينا وفي مستشفياتنا لغياب النظام الذي يحمي المواطن الأوربي والأمريكي في بلده، مما لا يجده المواطن السعودي لنفسه في معظم الأحيان وهذا ما شجع عددا من الزملاء الأطباء لأن يحتاط لنفسه ويشتري، أو يُشترى له، أعلى تأمين ممكن لشدة الخطورة لما يمارسونه على أبناء جلدتهم من عدم الإفصاح عن الحقائق التي يعرفونها تماما، ويخفونها عن مرضاهم في كذب مهني يصل الى درجة الجرائم، ولا أجد له مثيلا في عالمنا المعاصر، حيث اجتمعت شبهات المعالجة على شهوات الشهرة وحب التميز في وجود المال وغياب النظام. والأمر الذي نؤكده هنا أن تغييب الحقائق عن المرضى وخصوصا مايتعلق بحقيقة المضاعفات واختيار الإجراء دون غيره من المجرب والأكثر أماننا وتغييب علاقة الطبيب المالية والسياحية له ولأفراد أسرته هو في حقيقة الأمر الذي يجب أن يعلمه هؤلاء هو جرعة عالية من الضغوط النفسية المخربة لكل شئ جميل في أجسادهم، فضلا عن أذى الآخرين وفضلا عن الأهم والأدوم وهو رصيده في حساب الحلال والحرام، وما يمارسونه هو مجموعة أخطاء مركبة في كذب وتورية وخداع يغلفها نفاق مشين بدايتها فقد الأمانة والكذب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وإيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا".[رواه البخاري ومسلم]. أما نحن فنعرفهم بسيماهم قبل أسمائهم، والمولى -عز وجل- قال فيهم وأشكالهم: (وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ)، والبحوث الحديثة كما حذرتهم من مغبة ما يفعلون فهي كذلك فضحتهم، حيث يؤكد الباحثون في معهد الحساب العصبي أن أي إحساس يمر به الإنسان يولد تغيرات في وجهه، ولكنها تمر سريعاً بحيث تصعب ملاحظتها، ولذلك فقد طور هؤلاء الباحثون برنامج كمبيوتر يحلل تغيرات الوجه بسرعة مذهلة، ويرصد أي تغيرات مهما كانت صغيرة، وهذه التغييرات هي جزء عابر من غليان داخلي مرعب يجعلننا نبتسم في ثقة، وتمكين لنقول لكل المعنيين زد فيما أنت فيه ليعذبك الله بيديك ويريح منك البلاد والعباد، ونافق ثم نافق حتى تنفق. * استشاري أول تشوهات القلب الخلقية والقسطرة الكهربائية وزرع منظمات النبض والصادمات