لقد تغير الناس من حولنا - وهذه حقيقة لابد أن نستوعبها ونصبر عليها - فالمادة وحظوظ النفس أصبحت هي الأولوية، ولأجلها يُستحل الحرام وتنسف القيم وتحتقر الأخلاق وتهان القيم، ولأجلها يصبح الكذب فضيلة والغش شطارة، ولأجلها تتسابق شركات التسويق والدعاية والإعلان على توظيف الكاذب الشاطر، وتحرص محلات بيع الملابس والعطور على الغشاش المخادع باعتباره فهلوياً يعرف كيف يسوق بضاعته ويفهم لغة العصر، وسوف يكون هذا الكذاب الشاطر المزوق لكلامه بياع الوهم هو صاحب الحظوة والمكانة عند أصدقائه وأهله وزوجه! ومديره في العمل لأنه يملك أدوات لتلميع وتصبيغ الوقائع بلون زاه خداع، ويتعامل بمهارة مع التزوير والنفاق، وهنا نتذكر حديث معلم الخير صلى الله عليه وسلم حين قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين)، وها هو فيروس الكذب ينهش في جسد المجتمعات فيفسد عليها عيشها ويضيع أمانها وثقتها بنفسها، وهاهو يخلق المشاكل الاجتماعية والنفسية بل حتى والجسدية، فكم من مريض بالقلق، وثان مريض بعدم الأمن النفسي، وثالث لا يستطيع أن يفرق بين الكذب وبين الحقيقة، ورابع قد أفسد بوصلة الفطرة فضاع في قفار الكذب، وكلهم لا يعلمون بأن مايعانونه هو نتائج لكذبات متراكمات، أفسدت عليهم المزاج ودنست عليهم الفطرة النقية وكدرت عليهم صفاء النفس فانعدمت الرؤية!!.. لا تعجب حين يصيبك القلق والكآبة وضيق الصدر حين تكذب أو تغش أو تخدع لأنك تخالف الحق والفطرة وتعاكس مسارهما، فيبقى عقلك الباطن في خصام مع عقلك، ويحدث بينهما أزمة ثقة فلا تتمايز الأشياء من حولهما، ولا يستطيعان أن يعرفا الحقيقة من غيرها، ويحدث بينهما تناقض وتشتيت، وتضعف بذلك كفاءة العقل الباطن، وتقل طاقته الإيجابية، وربما انطفأ سراج الفطرة بعد أن انحرقت فتيلته بدخان الكذب والخداع... وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما سئل (هل يزني المؤمن، قال: نعم!!) وسئل (هل يسرق المؤمن، قال: نعم) وعندما سئل (هل يكذب المؤمن، قال: لا، المؤمن لا يكذب)أو كما قال، فياسبحان الله العظيم كيف قبح الكذب في الشرع والنفس والعقل!!.. وعلى دروب الخير نلتقي...