في دنيا العمل برزت موضة جديدة في الغرب وهي التقاعد المبكر أو العمل الجزئي.. والهدف هو التمتع بالحياة بعيداً عن ضغوط العمل بعد أن يحقق الإنسان قدراً معقولاً من الأمان المعيشي والمالي. لقد وجد كثيرون في أمريكا وأوروبا أنهم يعملون كالآلات بلا هدف أو غاية.. فهم يملكون مدخرات مالية جيدة وحسابات بنكية تكفيهم للعيش برغد وبحبوحة لعشرات السنين بما يفوق العمر المتبقي لهم في الحياة حتى لو عاشوا أضعاف العمر المتوقع للإنسان.. ومع ذلك يعملون بلا انقطاع دون أن يعرفوا لماذا يفعلون ذلك! لهذا ظهر الاتجاه الجديد في بعض المجتمعات الغربية وهو العمل لبعض الوقت والتمتع بما يتبقى من وقت الإنسان لممارسة الهوايات التي يحبها أو قضاء وقتٍ أطول مع الأسرة والأصدقاء. وقد ساعدت تقنيات الاتصال الحديثة على تحقيق هذا الهدف.. فالإنسان العصري يمكن أن يعمل في وظيفة جزئية بمقر عمله ثم يعمل من بيته بشكل انتقائي وحسبما تتيح له أوقات فراغه وارتباطاته. وقد وجد هؤلاء الناس أن التقاعد في سن متأخر يحرم الإنسان من التمتع بالحياة.. فما الفائدة من المال الكثير الذي يتوفر للمتقاعد وهو يعاني من أمراض الشيخوخة ومن ضعف العلاقات الإنسانية.. وقد صدر مؤخراً كتاب في أمريكا لكاتب شاب يروي قصة تقاعده المبكر وهو في سن التاسعة والعشرين عندما قرر أن يترك العمل ويذهب للعيش مع والدته المسنة في مجمع سكني للمتقاعدين في أحد البقع الجميلة في ولاية فلوريدا التي اشتهرت بأنها وجهة المتقاعدين الأمريكيين، وخصوصاً الأثرياء. والكتاب ممتع ويحمل رؤى فلسفية عن الحياة والعمل.. وقد قدمت نيويورك تايمز استعراضاً له في أحد أعدادها الأخيرة. ومن المعروف أن التقاعد المبكر، من الناحية الاقتصادية، قد يحرم المجتمع من انتاجية عناصر فاعلة في المجتمع.. ولكن هذا يحدث عندما يقرر الإنسان أن يعتزل الحياة بينما المطروح في الغرب هو أن يستمر الإنسان في الإنتاج ولكن بعيداً عن الضغوط المعتادة في بيئات العمل التقليدية.. ومن ألد أعداء التقاعد المبكر هم المسؤولون عن صناديق التقاعد.. فهذه الصناديق تخسر كثيراً بسبب التقاعد المبكر، وقد تفلس بالكامل لو اتجه كل الناس إلى التقاعد المبكر.. ولكن هذه مشكلتهم وليست مشكلة من اتخذ قراراً بأن يتمتع بالحياة قبل فوات الأوان!