الإنسان كلما يصل إلى مرحلة من العمر فإنه يحتاج إلى تعامل معين، بمعنى أن كل مرحلة تفرض عليه معطيات معينة تقتضي التعامل على ضوئها في حياته مع من حوله. وهذا يأتي نتيجة التغييرات التي تحدث له في كل مرحلة سواء من الناحية الجسدية الظاهرة أو الناحية النفسية، والتي ومن خلالها تظهر التغييرات الشكلية والخفية، ولعل أعراض التغييرات النفسية التي تحدث في كل مرحلة تعتبر من حيث التأثيرات على السلوك هي الأشد والأقوى تأثيراً في مظاهر التغيير الطارئة على الإنسان، ومع هذه التغييرات العمرية يتغير تعامله مع الحياة في ذاته بصفة خاصة ومع من حوله بشكل عام . ولن نتحدث هنا عن مظاهر التغييرات التي تظهر في كل مرحلة بحسبان أن ذلك يحتاج إلى متخصص في هذا المجال، ومن جانب أخرى فإن ذلك لا يدخل في صلب هذا الموضوع. إن المرحلة المعنية هنا هي مرحلة تعتبر من أبرز التغييرات في حياة الإنسان لأنها تأتي في سنٍّ حرج من عمر الإنسان فقد تقدم العمر به وخبر السنين وخبرته وعركته التجارب فهو بحاجة ملحة للغاية إلى تعامل من نوع خاص وطريقة ملائمة تتناسب مع حياته في هذه المرحلة العمرية. ألا وهي مرحلة التقاعد الوظيفي.! إن هذه المرحلة هي من أبرز الظواهر الحديثة التي تفرض على كثير من الناس التعامل معها كواقع لابد منه، ففيها يجتمع بالإنسان أمران بدني ونفسي فأما البدني فإن سن التقاعد النظامي يكون في الستين من العمر غالباً، وهذه المرحلة تعتبر - كما أسلفنا - ذات حساسية شديدة فالوهن والضعف إن لم يكن شاع وتغلل في الجسد فإنه لابد أن يكون قد بدا يعتريه بعض العلل التي تكون إحدى علامات الشيخوخة. والجانب الآخر هو نفسي فبعد استمرار في العمل الوظيفي لسنين عديدة قد تصل إلى أربعين عاماً، فمن هنا تكون المرحلة التالية لترك الحياة الوظيفية وحدها بحاجة لمعاملة من نوع خاص. فما بالك وقد اجتمع معها تغييرات جسدية ؟! كنت يوم العيد مع أحد الأصدقاء وهو حديث عهد بالتقاعد فبدأ يشتكي من الفراغ رغم محافظته على صلاة الجماعة وحبّ قراءة القرآن، ولكنه يبقى رهين البيت بعد ذلك. فالفراغ أمر يحدث لكثير من المتقاعدين، وهذه الفئة الغالية على الوطن تحتاج إلى وقفة ونظرة وفاء، ذلك أن المتقاعد أكثر ما يخاف بعد ترك الوظيفة من الفراغ فهو شبح مخيف وكابوس ثقيل فالمتقاعد يفكر ألف مرة كيف يقضي الوقت بعد تقاعده، ومن هنا فالمتقاعدين حقيقة بحاجة إلى تعامل يليق بالخدمة المقدمة منهم بطريقة مناسبة وملائمة تتناسب مع هذه المرحلة الهامة من حياة الإنسان. صحيح أن المتقاعد بلغ من التجارب والخبرة ما يمكنه من التعامل مع كثير من مظاهر الحياة، وصحيح أن المسلم يمكن القول أنه لا فراغ في حياته ، وصحيح أن ! هناك بعض المتقاعدين يستطيع العمل في مجال معين.!؟ بيد أن طبيعة المرحلة وتعقيداتها تتطلب أن يجد المتقاعد من يتعامل معه بما يليق به وبالمرحلة التي يمر بها، ولهذا فأعتقد أن جمعية المتقاعدين هي الجهة التي يتمكن من خلالها المتقاعد من التأقلم مع هذه المرحلة، إلا أنه من الملاحظ أن هذه الجمعية لم ترتق خدماتها إلى تطلعات هؤلاء المتقاعدين. بل بعضهم لم يسمع بها.! إن انحصار خدمات جمعية المتقاعدين وعدم وصولها إلى المتقاعدين يكون محل سؤال تنتصب أمامه ألف علامة استفهام ؟! فإذا كانت هذه الجمعية قد أنشئت لخدمة المتقاعدين فلا بد أن تكون هذه الخدمات بقدر الحاجة التي يحتاجها المتقاعد، وأكثر ما يحتاج هو إيجاد البيئة المناسبة والأجواء الصالحة لقضاء وقته بطريقة يجد فيها نفسه ويشبع فيها رغباته وهوياته من قراءة وممارسة ألعاب رياضية مناسبة وقضاء وقت مع رفقة يتقسمون فيه الهموم والشجون، ولعل من الجدير بالذكر أن هناك عدة جهات غير جمعية المتقاعدين تعتبر مسؤولة عن المتقاعدين تضامنياً مع الجمعية، ولو لم تكن المسؤولية نظامية فهي مسؤولية أدبية نظير ما قدمه هؤلاء للوطن والمواطن. فما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وهذه الجهات لابد أن تتضافر جهودها مع جمعية المتقاعدين وعلى الجمعية بذل الجهد وتكريس الطاقة لحل معضلة هموم المتقاعدين وشجونهم لإيجاد بيئة مناسبة لهم، وتهيئة الظروف الملائمة . ولكل جهة مهمة معينة متى تحققت تلك المهام وتضافرت الجهود فسيزول شبح التقاعد بإذن فلا يخشى منه موظف ولا يخاف. وتلك المهام بإيجاز هي : 1- مجلس الشورى ومهمته القيام بدراسة أحوال المتقاعدين من جميع النواحي المالية والصحية والاجتماعية وسنّ أنظمة تحمي المتقاعد من الفراغ والعوز الذي يحدث له بعد التقاعد. فمن غير اللائق أن يهمل المتقاعد وينطبق عليه المثل أكلوه لحماً ورموه عظماً. 2- معاشات التقاعد والمؤسسة العامة للتقاعد وعليهما أن تتحملا جزء من عبء تكاليف مشروع حماية المتقاعدين وتحسين مستواهم المعيشي والاجتماعي نظير الأرباح التي تحققها من مساهماتهما في كثير من الشركات . 3- وزارة الشؤون البلدية وعليها المساهمة بتوفير مواقع لإنشاء أندية للمتقاعدين. 4- وزارة الشؤون الاجتماعية وعليها أن تقوم بدراسة أحوال هؤلاء وتقديم المساعدات المالية لمن يستحقها وبخاصة أصحاب الرواتب المتدنية والأسر الكبيرة. 5- وزارة التجارة بأن تقوم بالتنسيق مع التجار لإصدار بطاقات تخفيض لكل متقاعد فهذا من أبسط حقوق من خدم الوطن والمواطنين سنين طويلة استفرغ فيها جهده وشبابه. اللهم أحسن خاتمتنا وأجعل خير أيامنا يوم لقاك. ص.ب 14873 جدة 21434-فاكس : 6534238 بريد إلكتروني [email protected]