في الحديث: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته». من الناس من يعيش في شقاء لا نظير له حيث انشغل عن عيوب نفسه واستصلاح خللها بتتبع عورات الخلق وسقطاتهم، يعيش على ذلك ويقتات به في كل أحواله، وهذا المرض الخطير جعله في شغل عن كل ما فيه فائدة له في دينه ودنياه، وعاجل أمره وآجله، مما أسهم في سواد قلبه ونظرته إلى المخلوقين من حوله، لتنقلب المعايير من أصول شرعية معتبرة، إلى أصول تتبع الهوى، وتنجرف مع حظوظ ونزغات الشيطان. فبدلاً من كون الأصل في المسلمين البراءة حتى يثبت خلاف ذلك، جعل الأصل فيهم التهمة حتى يثبت بدليل هواه أن الأمر بخلاف أصله الفاسد. هذه النوعية من البشر لا ترى عيوبها؛ بينما أعينها على عيوب الخلق كالمجهر الذي يلتقط كل شاردة وواردة مهما دقت. ومن عاش بمثل هذه النفسية المريضة فقد ظهرت خسارته، كما قال بكر بن عبدالله: إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس، ناسيا لعيبه، فاعلموا أنه قد مُكِرَ به. وهذا الأمر من أقبح القبائح أن ينسى الإنسان عيوب نفسه، وينظر في عيوب غيره من عباد الله، بل ويستثمر أخطاءهم في النيل منهم والتشهير بهم، والتسلق على أكتافهم في صورة فجة من صورة الوصولية البغيضة. هذه النوعيات تجدها في تعاملها مع كافة شرائح المجتمع تسير على نفس الوتيرة فهي مع المؤسسات لا تسقط إلا على الجروح ولا تتحدث إلا عن العيوب متجاهلة كل منجز مهما كان شأنه، وهي مع الأفراد تسير على ذات الوتيرة فهم مع العالم والمتعلم، والجار، والبعيد والصغير لا ينشرون إلا العثرات، ولا ترى أعينهم إلا السيئات وهذا لعمر الحق مرض يعزى في نفسه من ابتلي به. يمارسون بغيهم تحت بند النقد، ويصففون له عنوان النصيحة والإرشاد، وحالهم يبين أنهم لا يرضون من المنصوح بالأوبة والرشد، بقدر ما يشبعون نهمتهم إلى الفضيحة والإسقاط والسحل ثم الارتقاء على أوصال صريع بغيهم، متناسين سنة الله عز وجل في هتك أستار متتبعي عورات المسلمين وسقطاتهم؛ فقد روى الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان بالمدينة أقوام لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فأسكت الله الناس عن عيوبهم، فماتوا ولا عيوب لهم، وكان بالمدينة أقوام لا عيوب لهم، فتكلموا في عيوب الناس، فأظهر الله عيوبا لهم، فلم يزالوا يعرفون بها إلى أن ماتوا. الجزاء من جنس العمل، ومن أشهر سيف البغي صرع به، ومن استلحق قلوب الناس واستبطن ما فيها بالباطل، وحاكمهم إلى ظنونه، وأوقع عليهم الظلم بحثا عن مغنم رخيص فقد عق نفسه، وأتلف عمره، وشغل وقته بما يعجل بعطبه. تشفير لا تكشفن مساوئ الناس ما ستروا فيهتك الله سترا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذُكروا ولا تعب أحداً منهم بما فيكا