تشرق الشمس مزهرة فتية تبسط سلطانها على الكون رويدًا رويدًا لا تزال في قوة حتى تزيغ نحو «الغرب» قليلًا عندها يبدأ صراعها الطويل مع المساء وينتهي بلفظ آخر نفس عند الغروب ثم تقوم على أنقاض مملكة الضياء دولة الظلام فتدب الهوام السامة وينتصب البوم مراقبًا والخفافيش تجوس خلال الديار حتى تستوحش الأرواح الخيرة وتعربد أرواح الشر ولا يوقظ هؤلاء من قنوطهم وعجزهم وأولئك من سكرتهم بالسواد إلا خيط ضياء يعترض من جهة الأفق الشرقي وما هي إلا ساعة واحدة حتى يصبح الضياء ملء السمع والبصر فلا ترى من الظلمات إلا كدرًا يمنع من تحقق دقيق الأشياء ثم لا يزيد عمره على ساعة أخرى لتراه وقد اضمحل وانعدم وترى الكون يلبس رداء الهيبة المضيء ما أبهى الضياء وأجمله! الآن كل ما على الأراضي واضح لم تعد تظن العصى أفعى ولا الصل منسأة كما كنت تفعل أو تخشى في زمن الظلام كانت الشمس زينة الكون بالأمس القريب وها هي تزين الوجود الآن وتطهره وتيسر معايش الناس بإذن الله صحيح أن للظلمات كرة أخرى ونعلم أنا سنعود -في جولة ظلام جديدة- للتحقق والعجز عن تمييز بعض الأشياء عن بعض عند احتدام السواد وتستوحش القلوب الغضة ما دام الحندس متسلطًا لكن الظلام ظلام والنور نور في القوة أو في الضعف.. المبادئ لا تتغير ولا تتشكل العتمة عمى والضحى صدق ومعرفة وبصيرة تأمل قول الحق تعالى: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) فهو نور واحد تتعدد إشراقاته، وتتكرر إطلالاته الوضيئة أما الظلمات فهي كثيرة كلما دحرت ظلمة حتى تباد، استجمعت بقع السواد بقية قواها، وعادت بظلمة جديدة ليأتي الصبح مع الفجر الصادق لا يتخلف عن موعده أبدًا ويوم يتخلف عن موعده أول مرة تكون تلك نهاية هذه الدار وطيًا لصحف الأعمال.