المعارك في العراق وليبيا وأوكرانياوغزة، واقتصاد متسارع، ينبغي أن يكون من آثارها ارتفاع أسعار النفط، إلا أن أسعار النفط الخام تنخفض. قبل ستة أعوام، ارتفع النفط إلى مستوى قياسي بلغ 147 دولاراً للبرميل مع تصاعد التوتر بشأن برنامج إيران النووي، وكان الاقتصاد العالمي قد شهد للتو أقوى فترة من النمو المستدام منذ السبعينيات. الآن، يتم تداول خام غرب تكساس المتوسط، وهو المؤشر المرجعي للأسعار في الولاياتالمتحدة، بأقل من 100 دولار منذ عشرة أيام، وتراجع خام برنت، وهو ما يُعادله في أوروبا، إلى أدنى مستوى له منذ 13 شهراً. ما تغيّر هو طفرة النفط الصخري. تقوم الولاياتالمتحدة بضخ أكبر كميات من النفط منذ 27 عاماً، الأمر الذي يُضيف أكثر من 3 ملايين برميل على العرض اليومي منذ عام 2008. قالت وكالة الطاقة الدولية يوم أمس: إن وفرة العرض تقوم بحماية الأسواق من الاضطرابات، ويوافق على ذلك كل من بانك أوف أمريكا كورب، وسيتي جروب، وبي إن بي باريبا. قال إد موريس، رئيس قسم أبحاث السلع في سيتي جروب، في مقابلة عبر الهاتف من نيويورك يوم أمس: «إن أمريكا الشمالية تقوم بإخراج كمية هائلة من النفط الخام التي كانت تقوم باستيراده، لكن العالم لا يحتاج إلى تلك الكمية». قامت الولاياتالمتحدة باستيراد 7.17 مليون برميل يومياً من النفط الخام في شهر أيار (مايو)، بانخفاض 26% عن نفس الشهر من عام 2008، وذلك وفقاً لبيانات جمعتها إدارة معلومات الطاقة، وهي الفرع الإحصائي لوزارة الطاقة الأمريكية. وقالت الوكالة يوم أمس: إن التوصيل الأجنبي سيعمل على تلبية 22 بالمائة من طلب الولاياتالمتحدة العام القادم، وهو أدنى مستوى منذ عام 1970. الناتج المحلي الإجمالي في الولاياتالمتحدة سوف ينمو 3% في عام 2015، بارتفاع عن 1.7% هذا العام، وذلك وفقاً لمتوسط التوقعات من 84 خبيراً اقتصادياً شاركوا باستطلاع بلومبيرج، كما زادت فرص العمل في شهر حزيران (يونيو) إلى أعلى مستوى في أكثر منذ 13 عاماً، الأمر الذي يُثّبت صورة سوق العمل للنصف الثاني من هذا العام، وذلك وفقاً للحكومة الأمريكية. قالت إدارة معلومات الطاقة: إنه من المتوقع أن يرتفع إنتاج الولاياتالمتحدة إلى 9.28 مليون برميل يومياً في العام المقبل، كما قامت الوكالة يوم أمس بتخفيض توقعاتها لأسعار عام 2014 في مؤشر خام غرب تكساس المتوسط إلى 100.45 دولار للبرميل عن توقعات بشهر تموز (يوليو) تبلغ 100.98 دولار للبرميل. فرانسيسكو بلانش، رئيس قسم أبحاث السلع في بانك أوف أمريكا في نيويورك، قال عبر الهاتف يوم أمس: إن أسواق النفط أصبحت أكثر مرونة أمام خطر تعطل الإمدادات العالمية بسبب «الطاقة الفائضة» والطلب العالمي المعتدل. قال البنك في تقرير اليوم: إن المملكة العربية السعودية، وهي أكبر دولة مُصدّرة للنفط الخام في العالم، كانت متفاعلة جداً مع تحركات أسعار النفط التي تحدث في أسواق تعتبر الأكثر استقراراً منذ مطلع السبعينيات. وقال هاري تشيلينجوريان، رئيس قسم استراتيجية أسواق السلع في بنك بي إن بي باريبا في لندن: «إن النمو في الطلب على النفط كان يفوق قدرتنا على تزويد النفط فعلياً في النصف الأول من عام 2008، حيث كان يتعيّن على سعر النفط أن يرتفع على الفور ليتمكن من تزويد الطلب». ارتفاع الأسعار في عام 2008 كان مدعوماً من المستثمرين الذين كانوا يضعون الأموال في عقود النفط الآجلة حين كانوا يسعون لبدائل عن الأسهم. اليوم، قال تشيلينجوريان: إن مصلحة المضاربة في النفط الخام تتراجع، الالتزامات طويلة الأجل في كل من خام برنت وخام غرب تكساس المتوسط، انخفضت إلى أدنى مستوى منذ ستة أشهر على الأقل في الأسبوع الذي انتهى في الخامس من شهر آب (أغسطس)، وذلك وفقاً لبيانات جمعتها بورصة أوروبا للعقود الآجلة في لندن ولجنة تداول السلع الآجلة في الولاياتالمتحدة. قال موريس: «كانت هناك فقاعة في السوق في عام 2008، مع الرأي القائل إن العالم بدأ ينفذ من النفط والسلع الأخرى، لكن كل شيء تغيّر بعد وقت قصير من عام 2009». في مطلع شهر حزيران (يونيو)، اندلع العنف في العراق، ثاني أكبر مُنتج في منظمة البلدان المُصدّرة للبترول، حين قام المتشددون الإسلاميون بالاستيلاء على بلدات في الشمال الشرقي ومن ثم اتجهت نحو بغداد، الاشتباكات بين الفصائل السياسية تكثّفت الشهر الماضي في ليبيا، حيث توقفت صادرات النفط بسبب الاحتجاجات السياسية. كما قامت اسرائيل بنشر القوات في غزة الشهر الماضي مع الأهداف المُعلنة لسحق إطلاق الصواريخ وتدمير عشرات أنفاق التسلل، كذلك التوتر بين روسيا والحكومات الغربية قد تصاعد بسبب دعم الرئيس فلاديمير بوتين للمتمردين الانفصاليين في أوكرانياالشرقية. لكن بصورة عامة، لا يزال الإنتاج مستمراً في النمو، وفي هذه الأثناء، فإن الطلب العالمي على النفط يشهد تباطؤاً إلى حد ما، كما أن مكاسب الكفاءة أخذت تحقق آثارها، وهذا يعتبر قصة إيجابية للغاية بالنسبة للمستهلكين.