التقيتها في مكان لا يمكن أن يكون للحوار فيه أي مجال لازدحامه ولكن حين يشاء الله سبحانه أمراً فهو لا محالة واقع.. فكان الحديث والسؤال عن أمر ما فترددت في الإجابة لأني لم أخض غمار هذه المسألة وكل ما لدي هو بعض الأمور التي أسمعها من هنا وهناك أو بعض العلم الذي استقيته في مراحل دراستي فقط. فكانت الصولة والجولة لإنسانة كان من الواضح أنها مرت بهذا الأمر بل وخرجت منه بخبرة سيئة بل وأسوأ مما يتصوره أحد فكالت ونالت وحذرت وشجبت وأنكرت حتى ان السائلة ابتسمت وقالت: جزاك الله خيراً ومن ثم ساد الصمت وعاد كل إلى ما كان يشغله. خَرَجتْ.. فكان الحديث المغمغم عنها ممن كان حاضراً.. اما السائلة فقد دعت لها بالتفريج. وهذه ليست المرة الأولى التي أرى وأسمع فيها مثل ذلك بل ان الكل حين يُسأل عن موضوع ويستشار في أي أمر يرد على الأمر من خلال خبراته مؤلمة كانت أو غيرها سواء أكان في الزواج ام الصداقة ام الاستقدام ام أي امر.. وحين تطبق هذه الاستشارة وتخيب يُلقى اللوم على المُستشار وكأن السامع لا عقل له ولا فكر ولا رأي.. وهذا هو الخطأ. (المستشار مؤتمن) والمعنى لهذا الحديث كبيرٌ جداً لأنه يعالج قضيتين: الاولى: طلب الاستشارة، وذلك أن الإسلام يدل المسلمين على طلبها، والانتفاع بها، لأن الإنسان بطبعه يحتاج إلى غيره، وخير للإنسان أن يفكر بعقول كثيرة من أن يفكر بعقل واحد. المعنى الثاني: الأمانة في الاستشارة، فإذا استشار إنسان آخر، فعلى هذا المستشار أن يكون أمينًا معه، فلا يزين له أمرًا على غير حقيقته، ولا يقل شيئًا لا يعرفه، ولا يخف شيئًا عنه كان في إخفائه ضرر عليه. والمستشار العاقل من يخبر من استشاره بالحق دون أن يهتك ستر من استشير في رأيه ولا يطعن، وله أن يكني في الكلام ولا يصرح فيما إذا كان سيتحدث بالذم بما يهتك ستر من يتحدث عنه، فعليه أن يخبر بما يعرف إلا أن يترتب على ذلك ضرر على المستشار. لأن الإدلاء بالرأي محكوم بالحق والشرع والرأي السديد لا بخبراتك المؤلمة ورأيك الخاص والخاطئ ونزعتك القبلية وتعصبك المذهبي والمعنى أن المستشار أمين فلا ينبغي له أن يخون المستشير بكتمان المصلحة والدلالة على المفسدة. أعجبني احدهم حين استشير في مسألة هو يعاني منها الأمرين كان رده أنه ابتسم وقال: لا تكونوا مثلنا نقبل بأي أمر لمجرد القبول بل اعملوا الفكر كثيراً وضعوا سعادتكم أنتم قبل أي من الخلق وأدلوا برأيكم مهما كانت النتائج.. نعم مثل ذلك لابد أن يكون الأمر أن نجعل للآخرين حرية التفكير والإبحار في عمق الأمر وإدراك كل حيثياته حتى لا تقع المسؤولية على المستشار فقط إلا ان يكون المستشار فعلاً يعلم ماهية الأمر لذلك لا بد له أن يوضحه على نور لا أن يجعله مسألة شائكة تحتمل ألف فكرة وفكرة. لذلك لابد من أن الأمر يكون صحيحاً منذ البداية فنحسن نحن اختيار المستشار لا أن نلتقيه صدفة في مكان او أن يكون صديقاً يحمل من الخبرات المؤلمة الكثير أو أن يكون متعصباً لأي أمر كان أو أن يكون لا يريد السعادة لك أو لا يرى أنه من المفروض أن يكون الأمر إلا كما كان هو له.. فإن كان ذلك من البداية كان الأمر صحيحاً للنهاية. ومن فوائد الاستشارة أن المشاور إذا لم ينجح أمره علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه ومنها أنه قد يعزم على أمر فيبين له الصواب في قول غيره فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح.. قال علي رضي الله عنه: الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. وقال بعض الحكماء: ما استنبط الصواب بمثل المشاورة ولا حصنت النعم بمثل المواساة ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر.