عندما يحتاج إنسان على مشورة تعينه في حياته على اتخاذ قرار سليم فإنه في هذه الحالة لابد أن يلجأ إلى رجل أو أكثر من الرجال الذين يستطيعون وزن الامور بطريقة سليمة ويؤمنون بقاعدة أن المستشار أمين وأن من الأمانة عدم تقديم رأي غير ناجح لمن لجأ إليهم طالباً مشورتهم في أمر من الأمور ولذلك تجد الرجل منهم إذا كان غير محيط أو عارف بموضوع الاستشارة فإنه لا يتعالم ولكنه يقول لمن قصده أذهب إلى فلان فإنه أعلم مني بخاصتك ولا يقدم له رأياً فجاً مطبقاً القاعدة التي تقول نصف العلم لا أعلم. وهو في الوقت نفسه خزينة أسرار لمن استشاره فلا يبوح شيء ولو يسيراً مما دار بينهما حتى لو سئل عن سبب زيارة فلان له ، هؤلاء الرجال كما يقول المثل الشعبي صناديق مقفلة وفي الجانب الآخر نجد ان المستشير إن كان رجلاً فإنه يأخذ بالمشورة ويعمل بها مطمئناً لأنها صادرة عن رجل يملأ بعقله وحكمته وتجربته العين والقلب وهو لكي يحصل على مشورة سليمة لايقدم إلا معلومات صحيحة نظيفة ويكون صادقاً في كل كلمة يرويها لمن طلب مشورته وكان الكبار هم الذين يستشارون وليس المقصود هنا كبار السن فقط ولكن الكبار في عقولهم في رؤيتهم وفي تصرفاتهم وأخلاقهم وصدقهم فهم بذلك كبار في عيون أمثالهم من الرجال ولذلك درجت ألسنة المجتمع عندما يرون شاباً متخبطاً في حياته لم يجد من يرشده إلى الطريق السوي فإنهم يسألونه عن سبب تخبطه فيرد عليهم قائلاً لم أجد كبيراً يرشدني فيقولون له ألا تعرف المثل الشعبي القائل "اللي ما عندو كبير يشتري له كبير" والمقصود بالمثل أن على الإنسان عدم الانفراد برأيه في حياته دون مشاورة من هم أكثر خبرةً وعلماً ودراية منه حتى لا يضيع في معركة هذه الحياة. ويقول لي أحد أصحاب الخبرة من كبار السن أن أحد الرجال من أصحاب المشورة الحسنة كان يراجع المحكمة في أمر شخصي فوجد عند القاضي شاباً يريد تطليق زوجته فاستعان به القاضي لأنه يعرف حكمته وبعد نظره فأخذ الرجل الشاب بعيداً عن غرفة القاضي وقال له بأبوة وحزم يا ولدي كن رجلاً وأمسك عليك زوجتك ولا تضحك عليك الناس ولأن الشاب كان رجلاً يعرف قيمة الرجال فقد إجابة قائلاً سمعاً وطاعة ياعم وبعد سنوات طويلة جاء ذلك الشاب وهو في سن الستين وقابل أحد ابناء ذلك الرجل الحكيم وقال له رحم الله والدك فلولا الله ثم نصيحته لي لما كتب لي ابني الذي تراه أمامك أن يرى الحياة وكان ابنه في الثلاثين من عمره . ثم جاء الزمن الذي أصبح الإنسان معجباً برأيه يتخبط في الحياة دون أن يستشير من حوله في أموره حتى يقع على وجهه وبعضهم إن استشاروا من حوله وأرادوا أن يقدموا له النصيحة المخلصة فإنه يلف ويدور لأنه يريد أن توافق مشورتهم ماعزم عليه من رأي وإلا ضرب برأيهم عرض الحائط. ونحن لا نقول إن الرجال لم يعودوا موجودين ولكن مع وجودهم فإنه أصبح من النادر وجود رجال آخرين يأخذون بنصيحتهم لأن رأي الرجل يحتاج إلى رجل يعرف قيمة ذلك الرأي أي أن الرجال يعرفون قيمة ووزن ما يقوله الرجال أما غيرهم فإنهم لايستشيرون ولايستشارون.