اليوم - السعودية أحد الشباب الواعدين قابلته في فندق الشيراتون بالدمام وكان متحمساً في عرض مشروعه الجديد والتسويق له، فاقترحت عليه استشارة فلان الذي يتمتع بتجربة كبيرة في نفس مجاله، ولكن هذا الشاب الجميل لم يعجبه اقتراحي بالاستشارة فبادرته قائلاً: (هل المشكلة بالشخص أم الفكرة؟) ، فرد علي بقوله: (ما ينقصني شي عشان أروح لأحد)!، ولم يدرك هذا الشاب أن "الاستشارة" من صفات العظماء، وأنها صفة كمال لا صفة نقص، فهذا نبينا موسى يطلب أخاه هارون مستشاراً، والملكة بلقيس تشاور قومها في كل ما يستجد، وخالد بن الوليد رضي الله عنه يستشير أخته ثم يقبل رأسها، وسيد العظماء محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم كان يطلب المشورة دائماً، ويصادق على ذلك سيدنا علي رضي الله عنه بقوله: (الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه). الاستشارة هي فن استخراج الرأي من أهل الخبرة والرأي السديد، والحكيم من يجعل سلة الرأي عنده تجذب بتلقائية آراء العقلاء إليها، وحتى الرأي المتأكد من صوابه سيطعم بمزيد من القوة والتكميل من آراء المستشارين، فالفكرة الجيدة قد تتطور وتكبر وينفتح لها آفاق جديدة بعد الاستشارة، وكما يقول الجاحظ: (المشورة لقاح العقول). "الاستشارة" تقمع المستبد الصغير الذي في داخلك، وتعطيك مرونة كبيرة تجاه المواقف والآراء التي تخالف قناعتك، وترفع من لياقتك النفسية مع القرارات التي تتخذها. البعض منا كثير الاستشارة ولكنه قليل الاستفادة!، وهذا يعود لإخفاق في تحديد المستشار المناسب، أو لفشل في تحديد شكل الاستشارة، فنحن نحتاج أحياناً لمستشار يملك خبرة كبيرة في مجاله، وأحياناً نحتاج لمستشار يستطيع أن يعطينا زاوية رؤية مختلفة عن رؤيتنا، وأحياناً نحتاج لمستشار يعرفنا جيداً ليحدد مناسبة هذا الأمر لظروفنا وإمكانياتنا. "الاستشارة" هي فن في الأخير، ومن أبجديات هذا الفن أن تبحث عن الآراء التي تفيدك وليست الآراء التي تحب سماعها، فالمستشار الذي يطربك دائماً يجب استبداله لأنه لا يملك الوقود الذي تحتاجه. من أهم المستشارين الدائمين الذين يجب أن تهتم برأيهم "الزوجة" لأنها تملك زاوية للرؤية الخاصة بك قد لا يدركها الكثيرون من حولك، فهي تفهم دوافعك ومخاوفك التي لا تستطيع التعبير عنها بوضوح أمام الآخرين، وتتضاعف قيمة هذا المستشار كلما كانت الزوجة أكثر تعقلاً وأقوى بصيرة. ابحث عن المستشارين من خارج دائرتك المعتادة فهؤلاء يضيفون الكثير لك، ويمدونك بالمعلومة غير المنتظرة والزاوية غير التقليدية. العرب كانوا يقولون قديماً: (ما ندم من استشار)، وهنا أقول: سيربح من استخار، وصلاة ركعتين مع دعاء تطلب فيه العون بالرأي من الله ستكون عواقبه محمودة بكل تأكيد. تويتر @almodifer