شدد مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ على أهمية مبدأ الاستشارة في أمور الدولة العامة، مؤكدا أن التفكير بعقول متعددة خير من التفكير ب"العقل الواحد". وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام تركي بن عبدالله أمس إن الأمور العامة لا تدار إلا بالرأي والتعاون مع كل أهل تخصص وفن، يستشارون في محيط عملهم، فإذا اجتمعت تلك الآراء خرج منها رأي سديد، يضمن الاستمرار ويبعد الفوضوية والاضطراب، فالأمة لا يتم نظامها إلا إذا كانت هناك استشارة موجودة. وأبان أن الإسلام قام على أسس متينة، واهتم بأمر الشورى في حياة الإنسان الفرد والجماعة، إذ إن الإنسان بطبعه مضطر للآخرين، كونه يفكر بعقول متعددة، خير من أن يكون التفكير بعقل واحد، ولهذا للشورى أهمية في حياة المسلم، وجعلها سبباً في نجاح العمل والسلامة من الفشل. وأشار آل الشيخ إلى أن مجالات الشورى متعددة، ومنها الاستشارة بأمر تجاري، والاستشارة بأي مشروع سواء أكان طبيا أو علميا أو اقتصاديا، فيستشير الإنسان من يعلم إمكانية نجاح المشروع من فشله، ومنها استشارة المدير في عمله لموظفيه في إدارتهم، وكيف تنفذ الأعمال، ويستشير بعضهم بعضا في سبيل إنجاز الأعمال. وأضاف أن من مجالات الاستشارة، الفتوى في الدين، فأهل العلم يستشير بعضهم بعضا فيما يجد وينزل من النوازل، يحتاجون إلى حل شرعي فيها، إذ إن شريعة الإسلام كاملة في عقيدتها ونظمها وعبادتها، وإنما تحتاج إلى الفهم والإدراك، فيستشير العلماء بعضهم، ويستعينون بأهل الخبرة في الأمور الطبية أو الهندسية أو الاقتصادية أو العلوم النافعة كي تكون الفتوى مبنية على علم واضح ومنهج قويم. وتابع آل الشيخ قائلاً "المستشار لا بد أن يكون أمينا ومؤتمنا، فمن أمانته ألا يشير بخلاف الواقع، ولا يزين لمن استشاره أمراً يعلم أنه خلاف الحق والصواب، ومن ذلك أيضاً ألا يتكلم إلا بعلم، ومنها ألا يكتم أمراً ضرورياً وجوده، فإن كان ذلك، فهو خائن لاستشاراته، وأيضاً أن يكتم سر المستشار، وأن الشورى مع الإخلاص والمتابعة عبادة لله جل وعلا". وحذر آل الشيخ المستشار من ألا يشير إلا بالحق، وأن يتقي الله، وأن يكون واضحاً صريحاً يدافع عن الحق الذي يعتقده، فلا يجامل ولا يداري، وإنما يبرئ ذمته لعلمه أن الله سأله عن هذا كله، مضيفاً أن محمدا صلى الله عليه وسلم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يستشير أصحابه في القضايا العامة والخاصة. وقال إن الشورى في كل الأمور مطلوبة من ذوي الرأي والسداد، ذكوراً وإناثا، فعلى المستشير أن يسمع ويصغي ثم أن يقيم ذلك تقييماً صحيحا، فأمور الأمة لا بد فيها من استشارة دقيقة ورؤية وصدق المستشار، وأن يكون أميناً يؤدي ما أوجبه الله عليه، فإن المشورة في الأمر المهم فيها منفعة في الحاضر والمستقبل.