في القديم قبل ثورة وسائل التواصل الحديثة من فيس بوك وتويتر وتانغو وغيرها من توابع الشبكة العنكبوتية، كانت ضوابط الكلام والخطوط الحمراء واضحة لدينا وكثيرا ما استخدمنا عبارة كانت دارجة مدرج المثل «الجدران لها آذان» كناية على أننا يجب أن نحتاط في الحديث مع الآخرين، بل أكثر من ذلك نكون على حذر ونحسب كلماتنا جيدا، ولا نقول إلا ما تسالم على قوله في المجتمع والعرف العام، حتى لا نكون عرضة لنبذ من المجتمع وربما مساءلة القانون، وتجد من لديه «أسرار» وخصوصيات لا يسمح العرف العام بها، لديه في المقابل كاتم لهذه الاسرار، الذي يتم عادة اختياره بعناية ليبوح له بما لم يستطع أن يبوح به للملأ وهو غالبا لا يختار الشخص فقط بل يختار الوقت الذي عادة ما يكون ليلا حيث العيون نائمة والآذان كذلك الا «اذان الجدران طبعا» وتجده يتحدث مع «كاتم اسراره» همسا برغم أنه لا يوجد معهم أحد خوفا من أن يتسرب سره أو بعض من أموره الخاصة. أما اليوم فربما كان الكثير من هذه «الأسرار» والخصوصيات التي يسعى صاحبها لكتمانها عن المجتمع لو ذكرت قد تبدو من صغائر الامور، وينظر لصاحب الاسرار وكاتمها ربما على أنهم جماعة من السذج على أحسن الظن، قياسا على ما يقال اليوم من تغريدات عبر تويتر وغيرها من وسائل التواصل عبر الانترنت، التي أصبحنا فيها نكشف غالبية الاوراق الخاصة دون مراعاة للعرف ومدى ما يمكن أن تحدث من أثر سلبي في المجتمع، ونبالغ في كشف هذه الاوراق إلى درجة أن البعض يقارب مرحلة التعري في كشف أوراقه، في تنافس يقدم فيه الكثيرون ممن يرتادون وسائل التواصل هذه، غالبية ما كان خطا أحمر في مجتمعات الامس أي مجتمعات ما قبل الشبكة العنكبوتية، وكل ما هو ممنوع ويتحدثون به لملايين البشر دون أن يفكروا أو يسترجعوا مقولة الامس «الجدران لها آذان» بل استبدلوها بمقولة «قل كلمتك ولا عليك من أحد» وحجتهم في ذلك أن العالم اليوم أصبح مفتوحا على بعضه ولا تستطيع أن تنعزل عنه، وأن تويتر وطريقة الكتابة فيه بشكل مكشوف في الغالب وغير المراعي للعرف في غالبية الأحيان، هو الطريق والسبيل إلى الديمقراطية، لأن الديمقراطية تحتاج إلى الشفافية والمباشرة وتويتر يمنح ذلك. أي بمعنى آخر تويتر يدربنا على العمل الديمقراطي، والكن السؤال هنا هل الديمقراطية آليه فقط؟، أم الديمقراطية ثقافة وأخلاق قبل أن تكون آلية، وإذا كان العقل الذي يتعامل مع تويتر عقلا اقصائيا وتقليديا، هل يمكن أن يدرب على الفعل الديمقراطي باستخدامه آلية من آليات الديمقراطية دون أن تكون لدينا أخلاقيات العمل الديمقراطي، ان سلمنا أن التويتر وسيلة من وسائل الديمقراطية. وأرجو أن لا يفهم من كلامي أنه دعوة لتكميم الافواه أو فيه تعميم على الجميع فهناك تغريدات هادفة وذات مضمون حقيقي. «ليس كل ما يعرف يقال» وكذلك «لكل مقام مقال» يبدو لي أن المستخدمين لتويتر في الغالب يعملون خلافا لهذين المقولتين، بل البعض تجاوزهما إلى العمل على النقيض لهما، وأصبح النقد وكشف المستور على «ودنه» كما يقول اخوتنا المصريون، والحديث أصبح في الأمور الخاصة والعامة على حد سواء، بل أكثر من هذا أصبح العالم ونصف العالم والقريب من الجاهل، يدلون برأيهم في موضوع واحد على حد سواء، موضوع هو لأهل الاختصاص والدراية أقرب، من أن يدلو به من هب ودب، لهذا قد تجد شخصا ليس له في العلوم الشرعية نصيب وينتقد حديثا شريفا أو حتى فتوى لعالم، وتجد رجل دين مختصا بالعقيدة، ويؤول نصا أدبيا على أنه ضد الدين، ويختصر هذا النقد في تغريدة قد لا تتجاوز المائة حرف، وليتها لا تتجاوز قائلها والراد عليه ولكنها تخرج للمجتمع لتخلق بلبلة، دون أن تحقق أي غرض من أغراض النقد البناء والهادف، إلا أن تشغل المجتمع في سجال غالبا ما يكون عقيما. وفي الختام أرى أن مجتمع الأمس بسياسة «الجدران لها آذان» حافظ على السلم المجتمعي والعلاقات الحميمة بين أفراده الذين قد يكونون متعددي المذاهب والأطياف. أما اليوم بسبب سياسية «قل كلمتك ولا عليك من أحد» ومن خلال تغريدة واحدة قد تحدث شرخها بالمجتمع، وأنا في كلامي هذا أرجو أن لا يفهم منه أنني أدعو للرجوع الى الماضي، ولكن أدعو لأن نكون أكثر حذرا ومسؤولية في الكتابة بتويتر حتى نحافظ على نسيج المجتمع الواحد.