يرى محللون ان تراجع نفوذ الولاياتالمتحدة وفشل مساعي وزير الخارجية الامريكي جون كيري في احلال السلام في الشرق الاوسط يؤثران على الجهود من اجل التهدئة في غزة، الا ان الولاياتالمتحدة تظل القوة العظمى الوحيدة القادرة على التوصل لاتفاق من اجل وقف المعارك. ويقول الخبراء: انه في ظل فراغ السلطة في الدول العربية بسبب المشاكل السياسية الداخلية في مصر، يبقى التوصل الى اي اتفاق لوقف اطلاق النار بين اسرائيل وحركة المقاومة الاسلامية (حماس) بعيدا لأيام، اذ يرفض الطرفان تقديم تنازلات. وتشن اسرائيل منذ الثامن من يوليو هجوما عسكريا على قطاع غزة اسفر حتى الآن عن سقوط 1110 قتلى فلسطينيين غالبيتهم العظمى من المدنيين. في المقابل قتل 53 جنديا اسرائيليا في اكبر حصيلة منذ الحرب على حزب الله اللبناني في العام 2006. انتقادات وتعرض كيري لحملة انتقادات شديدة من قبل الصحف الاسرائيلية الاثنين، وذلك بعد ساعات فقط من عودته من مهمة استمرت اسبوعا كاملا في الشرق الاوسط ولم يتوصل خلالها سوى الى تهدئة لمدة 12 ساعة، رغم الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي بذلها. وشدد كيري وفريقه على انهم يواصلون المساعي، لكن وبما ان هذه الجهود تأثرت بحالات من "سوء التفاهم" على حد تعبيره، يبدو انهم خفضوا سقف الآمال في تهدئة لمدة سبعة ايام لإفساح المجال امام مفاوضات اوسع نطاقا، الى وقف اطلاق نار انساني لمدة 24 ساعة فقط لايصال الادوية والمواد الاولية الى قطاع غزة. وقال ارون ديفيد ميلر الدبلوماسي الامريكي السابق والخبير في شؤون السلام في الشرق الاوسط: "اعتقد ان امامنا اياما عدة على هذا النحو. وباستثناء اي تغيير جذري فإن ايا من الفريقين ليس لديه الرغبة او القدرة على التراجع". وردت الولاياتالمتحدة على الصحف الاسرائيلية التي وصفت كيري ب"الهاوي الذي يعتقد ان بإمكانه حل مشاكل العالم بمجرد حضوره الشخصي". وأكد نائب مستشار الامن القومي توني بلينكن "اريد ان اقول الآتي حول كيري: ليس هناك صديق افضل منه لإسرائيل او مدافعا اكبر عنها. لا احد بذل جهودا كهذه لمساعدة اسرائيل على تحقيق سلام دائم وآمن". تخريب متعمد كما ألمحت واشنطن الى حملة تخريب متعمدة لجهود كيري بعد تسريب مسودة سرية ل"ورقة مفاوضات" تحتوي على افكار من اجل وقف اطلاق النار الى الصحف الاسرائيلية. وقال بلينكن: ان تسريب الوثيقة كان "محاولة للتضليل او كان عملا من طرف تعرض للتضليل". إلا ان السياسة الامريكية في الشرق الاوسط تأثرت طيلة سنوات بالاعتقاد ان واشنطن تبتعد عن بذل جهود جدية لإحلال السلام، وتضررت بشكل اكبر بالانطباع بأن الادارة الامريكية الحالية اساءت التعاطي مع الازمة في سوريا، بما في ذلك التراجع عن التهديد بشن ضربة لمخزون النظام من الاسلحة الكيميائية. وقال ميلر: "المرة الاخيرة التي كانت هناك فيها سياسة فعالة في المنطقة تثير الاعجاب والخوف والاحترام كانت ابان الرئيس الاسبق جورج بوش الاب ووزير خارجيته جيمس بيكر، لكن ذلك كان منذ زمن بعيد". وأضاف ميلر لوكالة فرانس برس: "لكن اذا اراد الاسرائيليون تحقيق ما يقولون انهم يريدون تحقيقه، اي نزع الاسلحة فهناك قوة وحيدة قادرة على القيام بذلك كما كان الحال عند الاتفاق بين الولاياتالمتحدة وروسيا حول الاسلحة الكيميائية في سوريا". وتابع: "لدينا ليس فقط تأثير على الاسرائيليين اذا شئنا استخدامه، بل ايضا دعم لا يستهان به في المنطقة". قطر وتركيا واعتبر الخبير حسين ايبش ان واشنطن "في موقع فريد" في مساعيها لإحضار كل الاطراف الى طاولة الحوار، مع انها مضطرة للمرور بقطر وتركيا من اجل التأثير على حماس التي تصنفها الولاياتالمتحدة منظمة ارهابية. وقال ايبش المسؤول الكبير في قوة التدخل الامريكية حول فلسطين: "ربما يكون نفوذ الولاياتالمتحدة في المنطقة قد تراجع بعض الشيء مقارنة بالسنوات الثلاثين الاخيرة تقريبا منذ نهاية الحرب الباردة بسبب الانطباع بين حلفاء واشنطن بتراجع زخم سياستها (...) لكنني اعتقد انه حكم مسبق بعض الشيء". وأضاف: "على الرغم من رغبة عدد كبير من المسؤولين في واشنطن بالتركيز بشكل اقل على الشرق الاوسط، لكن ذلك ليس ممكنا فعلا. ربما قد يروق للبعض لكن لا يمكن القيام بذلك". التعاون مفقود وقال بعض الخبراء: ان ايا من الاسرائيليين او الفلسطينيين لم يبد متحمسا لجهود كيري بعد فشل محاولته الاخيرة للتوصل الى اتفاق سلام شامل بشكل ذريع في ابريل. وقالت ميشال دان المسؤولة في معهد كارنيغي من اجل السلام الدولي: ان "الناس كانوا لبقين خلال اجتماعهم بكيري، لكنهم ليسوا متحمسين لمساعدته". واضافت: ان "جهود السلام السابقة لم تحظ بترحيب كبير ولم يحصل كيري على التعاون المطلوب". وقال ايبش: ان مساعي كيري من اجل السلام في الشرق الاوسط اضرت به "لأن الناس اعتادوا على فكرة انه سيحاول امرا ولن ينجح، وانه بالمكان ان نقول (لا) لكيري، ومن خلاله الى الرئيس الامريكي باراك اوباما". والعامل الآخر وراء هذا الحائط المسدود هو عدم استعداد حماس او اسرائيل لوقف اطلاق النار. فإسرائيل لا تزال تريد تدمير المزيد من الانفاق في غزة، بينما تشعر حماس "بأنها حققت مكاسب مهمة مع ان قوتها تأثرت الى حد كبير، وهي متورطة بعمق"، بحسب ميلر. mوختم ميلر بالقول: "عليها ان تعطي تفسيرا لتبرير القتل والتدمير الذي ساهمت مقاومتها بالتسبب به".