ما أصعب المواقف التي يجد الإنسان نفسه فيها، محاطاً بالحزن، وبالدموع المكبوتة.. ما أصعب أن يعايش المرء تلك الحالة من الإحساس بالفقد الرهيب، فما بالنا، إن كان الفقيد فقيد أمة، ومصاب وطن، بحجم رجل اسمه سلطان بن عبدالعزيز. بالأمس، كان المشهد مهيباً.. في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض، الذي اكتظ بالمصلين على الفقيد، أو في مقبرة العود، التي تشهد نهاية رحلة «أبي خالد» من الدار الفانية إلى دار الآخرة والبقاء. كانت الجموع التي تحلّقت، معزّية في ابن الوطن الغالي، ومن أكثر من مائة دولة من مختلف العالم، تشاركنا شعور الوداع لرجل أفنى حياته وعمره في خدمة بلده، اجتهد وأعطى، عمل فوفّى.. كانت تلك الجموع لا تقدم واجب العزاء فقط، لكنها تشاركنا الحزن العميق أيضاً، وبالتالي كان الوداع الأخير مهيباً، مثلما كانت الحياة الطويلة مهيبة وعامرة ومليئة بكل الخير الذي سيبقى مخلداً ذكرى سلطان بن عبدالعزيز، وفي كافة المجالات. ذابت المشاعر كلها، واختلطت القلوب، وارتفعت أكف كل الحضور من مواطنين ومشاركين، بالدعاء لفقيد الأمة، كانت تلك حالة لا رياء فيها ولا مجاملة، فالوطن الذي عاش منذ إعلان النبأ الحزين، يوم السبت الماضي، عاش واحدة من اللحظات الحزينة في تاريخه، وأحسّ بالمصاب الجلل، فكان هذا الالتفاف الحميمي، نموذجا للتلاحم الرائع بين القيادة والشعب، الذي أكد في كل موقف، انصهاره وتوحده في السراء والضراء. لم أكن وحدي شاهداً على ذلك، كان الوطن كله، وكانت تلك الجموع شاهدة على تظاهرة الحب ل"سلطان" فأحاطت جثمانه المسجى ميتاً، مثلما أحاطته في حياته وتابعته في كل خطواته، وكانت القلوب أيضاً تتحلّق بالأخ والشقيق عبدالله بن عبدالعزيز، في حزنه النبيل على فقد شقيقه وساعده الأيمن، مثلما كان الحزن العميق يرتسم على الوجوه. الحاضرة أو تلك التي تسمرت أمام التلفاز لتشاهد وتودع الفقيد على طريقتها الخاصة. لن أقول وداعاً أبا خالد.. فالوطن الذي احتضنك حيّا وميتاً، يبكي فقدك، ويعز عليه غيابك. لن أقول وداعاً أبا خالد.. فالمواطن، الذي أحاطك بدعواته، في كل لحظة، لن ينساك أبداً، وستظل في ذاكرته للأبد. لن أقول وداعاً أبا خالد.. فالجموع التي شيعتك بالأمس من أرجاء الدنيا، إنما عبرت عن تقديرها لما بذلت، وأعطيت. لن أقول وداعا أبا خالد.. لأنك ستظل ابنا من الأبناء العظام لهذا البلد، أعمالك ستبقى، عطاؤك سيبقى، ابتسامتك ستبقى.. ستبقى ذكراك معنا على هذه الأرض، وللأبد.