دعت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عقب اجتماع المجلس الوزاري يوم أمس الأول، النظام السوري إلى وقف فوري لحملة إراقة الدماء. وتتفق دول مجلس التعاون مع دول العالم العربي في دعوة الحكومة السورية إلى انتهاج الحكمة ووقف أعمال البطش وإجراء إصلاحات فورية. لأنه لا يوجد حل آخر في سوريا، إلا إجراء وقف البطش، وإجراء إصلاحات، فلا يبدو أن الثورة سوف تتراجع أو تستسلم بعدما قدمت الضحايا بالآلاف ومعتقلين بعشرات الآلاف. والحل الأنسب والأمثل أن يقتنع النظام السوري أنه يسبح ضد التيار، وانه يجتهد في تقديم خيارات أخرى غير الحل الأمني الذي طبقه منذ ستة أشهر، ولكن لم يؤد إلا إلى اشتعال المدن السورية بالثورات وبمزيد من الاحتجاجات، لأن الضحايا الذين سقطوا والاعتقالات بالجملة للناس قد جذرت إصرار السوريين على المواجهة والصمود، وتزايد الانشقاقات في الجيش، وزيادة جرأة المحتجين إلى درجة تحويل الاحتجاجات إلى احتفالات مقاومة في الميادين والشوارع تحت بصر قوات الأمن ومليشيات القمع. وإذا ما استمرت الحكومة على عنادها واقتناعها أن الحل العسكري والبطش والتعذيب وإرسال الجثث إلى المنازل، سوف يؤدي إلى عجز الناس أو فتورهم أو انهيار صمودهم، فإن ذلك تفسير خاطئ للثورات، لأن الشعوب المقهورة حينما تثور لا يمكنها أن تتراجع ولن تعود إلى أغلال الذل مرة أخرى. والمفروض أن يتمعن قادة النظام السوري في النصائح التي أسديت لهم، بأن يطبقوا الإصلاحات التي يعدون بها ويقودونها ويصبحون جزءا منها وطرفاً مشاركاً فيها. وإذا ما استمروا في الحل الأمني وعدائهم لحل الإصلاح، فإنهم سيواجهون مصيراً غامضاً، ويقامرون بمستقبل بلادهم واستقرارها، وحينئذ لن يجنوا أية مكاسب. يمكن أن يخضع نظام حياً أو مدينة، ولكن حينما تمتد حملات البطش وإراقة الدماء إلى مساحة بلاد كاملة لن تؤدي إلا إلى مزيد من الدماء وانهيار حتمي للنظام، عندها قد تدخل البلاد في دوامة أقدار لا يمكن التحكم بها أو توقعها. وكثير من الأنظمة انهارت سريعاً لأنها هي التي عجلت بنهايتها حينما انتهجت الحل الامني لمواجهة ثورة شعب، ولم تعط للآخرين أية فرصة للتفكير بغير مقاومة البطش ومواجهته. والنظام الليبي نموذج واضح، فإن القذافي بدأ حالاً بالمواجهة العسكرية، واضطر الناس للرد دفاعاً عن النفس، وطلبوا حماية دولية تستطيع مواجهة آل القذافي وبطشه وقسوته. والقذافي الآن تحت الأرض، لأنه استخف بشجاعة الناس وصبرهم وصمودهم وعنفوانهم.