العصر الذي سبق الإسلام وأشرق منه، اصطلح على تسميته بالجاهلية نسبة إلى عموم الجهل بالإيمان وأركانه والتوحيد وأشراطه، في هذا العصر تحديداً قد نجد من العبر ما يمكن أن يعيننا على تسلم مكاننا في الحضارة العالمية اليوم. ربما ذلك العصر الذي يُنظر إليه بشيء من الانتقاص لدى شريحة كبيرة من المؤرخين خاصة المنبهرين بالحضارة الإسلامية التي ما فتئت أن سادت العالم وهم معذورون في ذلك. غير أن التمعن في حياة العرب قبيل الإسلام قد يكشف أسرار بزوغ الحضارات أجمع إذ إن حضارة ما لا بد كي تلامس العالمية أن تخرج من رحم منظومة قيم اجتماعية سائدة لدى أفراد المجموعة التي تتسلم طريق نهضتها. وعندما نستقرئ فكر المجتمع من إبداعاته شعرا ونثرا وحكايات رائجة يتداولها المجتمع نجد المبدع يعبر عن القيم المعيارية للمجتمع من صدق وعفة وعطاء وكرم وإحسان. ليس غريبا حينها أن يرى الشاعر العربي نفسه فارسا يحمي وطنه يأنف أن ينظر لجارته خلسةً أو أن يتحين المواقف ليبتز صديقه أو يرد ضيفه حتى تلألأت في كل مناحي القيم والأخلاق أسماء لامعة باتت بمثابة القدوة التي يربى على أنفاسها الجيل تلو الجيل. في صورةٍ أخرى لها معنى نجد أن صعوبة الحياة قبل مائة عام مثلاً، لم تؤد إلى تذوق الإبداع وإنتاجه بالرغم من تشابه الإمكانات مع العصر الجاهلي الذي تميز بشموخ القيم وتقدير المبدعين ثم بروز القدوات وامتزاج الآداب والفنون بالحياة العامة في الأسواق فلامسها الرجل وكذلك المرأة وعانقها الشيخ والطفل الصغير في آنٍ واحد. وليس غريبا بعد ذلك أن تصنع تلك المنظومة القيمية العميقة من ذلك المجتمع البدائي حضارةً يتشرف بزعامتها العالم قرابة ألف عام. ربما ذلك العصر الذي يُنظر إليه بشيء من الانتقاص لدى شريحة كبيرة من المؤرخين خاصة المنبهرين بالحضارة الإسلامية التي ما فتئت أن سادت العالم وهم معذورون في ذلك، غير أن التمعن في حياة العرب قبيل الإسلام قد يكشف أسرار بزوغ الحضارات أجمع إذ إن حضارة ما لا بد كي تلامس العالمية أن تخرج من رحم منظومة قيم اجتماعية محفزة وسائدة وهو ما نفتقده اليومأخذ الإسلام أخلاق الجماعة وعزيمة الأبطال وأضاف إليها قيماً تزداد رقياً فجعل من النظافة قيمةً تستدعي أن يقف لها الكبير قبل الصغير ليحمل القاذورات من أمام المارة وجعل للكبير هيبة وللوالدين مقامًا لا يضاهيه مقام، ولم ير عيباً في استشعار كرامة الإنسان للجميع بصرف النظر عن الأعراق والأديان ودعا إلى أن يحب الفرد لأخيه ما يحب لنفسه، بل وجد أن الإحسان للكلاب والتي لا يرى الإسلام استحباب قربها من الإنسان سببا لدخول الجنة، ومن هنا كان لا بد وأن يشهد العالم بزوغ حضارة عظيمة. اليوم في ذات الدول العربية تتوارى المنظومة الأخلاقية خلف سوداوية المادة حتى يكاد أن يفترس الجار جارته ويعز الجود ويتراجع الإحسان وتتمشى الأمراض الاجتماعية المنذرة باستمرار التواري عن أسباب التقدم. الحقد والحسد والبغضاء وسوء الأخلاق وعقوق الوالدين والنميمة من جانب ومن جانب آخر ينكفئ الإبداع والطموح وتغيب القدوات، ليصبح الجهر بسوء الخلق، وامتهان سرقة الأبرياء ومطاردة المسافرين بحثا عن رشاوى، والكيد للغافلين بحثا عن لقمةٍ حرام قيما مزورة لمنظومة مسخ لا يمكن أن تنتج الحضارة. ومن السهل حينذاك أن نجتهد في تقريع الحضارات الأخرى، بعد أن بدأ مراهقونا البحث عن القدوات في مجتمعات أخرى، لكننا حينما ننظر مرة أخرى نجد أن تلك الحضارة الغربية بكل ما فيها من ملوثات اليوم هي نتاج ثروة من القيم الإنسانية من بينها الحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان وتقدير العلم ورجالاته أججتها طموحات كبيرة ما فتئت أن أصبحت حضارة العالم، الذي أبهرت ما فيها من إنسانية وعدل وكرامة وإيمان بالمساواة وتحكيم العقل والحكمة. صحيح أن تلك القيم لم تعد كما كانت وربما ذلك ما يتسبب من حين لآخر في أرجحة النظام الرأسمالي الغربي اليوم، لكن السؤال أين نحن في سلم القيم والحضارة..؟ ولعل الوقوف لقراءة المؤشرات التي سبقت بزوغ الحضارات ومن أهمها الإسلام كفيل باستلهام القيم الضرورية لنعيد إنتاج الحضارة..وكل عام وأنتم بخير،، [email protected]