احد أساسيات تقييم مستوى التقدم الشعبي في أي دولة هو حالة الوعي الوطني والتفاعل التضامني وتبادل المعلومات وتعزيز قيم الشراكة والحقوق بين أبناء المجتمع بكافة شرائحهم وانتماءاتهم والشراكة الحيوية بين المرأة والرجل في هذا السياق التضامني والتثقيفي، وهي مؤشرات تُرصد ايجابياً بصورة مطردة بين أقاليم الوطن وأطيافه الفكرية، وقد ساهم الإعلام الجديد في تعزيز روابطها وكشف مسارات التواصل التي أظهرت العديد من قيم التوافق والمشاركة بين أبناء الوطن في معيارية وطنية إنسانية إسلامية جميلة رطّبت تلك الثقافة الجافة والشكوك العاصفة والفئويات المتعددة التي عاشها الوطن لعقود، خاصة أن هذه المبادرات التصحيحية اعتمدت على التواصل المستقل أكثر من فضاء الإعلام الرسمي الذي عجز عن تدشين هذه العلاقات الايجابية كبرنامج فاعل في المجتمع بدلاً من مواسم الحروب الكلامية والتحريضية المتبادلة. ولعل فكرة ضرورة اكتشاف الآخر قبل الحكم عليه هي في حد ذاتها عنصر حيوي كان مدخلاً لهذه المؤشرات الايجابية في صناعة المجتمع المدني الوطني، فارتهان قطاع واسع من كتل الرأي العام أو الحركة الثقافية لدى هذه الحلبة من الصراع أو تلك كان يؤزّم الحالة المجتمعية ويُمرضُها من كثرة تبادل وتعميمات الصراع والمبالغات التي تدار بين المختلفين أو الخصوم الفكريين ويرهن الرأي العام الوطني لها، فهذه الجولات من الحوارات الهادفة أوّل ما فعلته في المجتمع هو إيقاظها فرص الشراكة للبناء وللتصحيح وللاتحاد في قيم الحقوق والتشريع وأنها موجودة لدى الجميع دون أن يتخطّفها هذا الطرف من ذاك الطرف، بل اصل نجاحها هو شراكتها بين أقاليم الوطن وبين شرائحه واتجاهاته، فارتاحت النفوس ولو نسبياً وأخذت تتعاطى مع بعضها وكأنما تستعيد قدراتها من معارك مفلسة سيطرت على الرأي العام على حساب حقوقه الجمعية وغذّت مشاعر العنصريات والفئويات والتخندق التحريضي. وهذه الطمأنينة أضحت تستقر تدريجياً فتكون أقوى في بنائها ولا تؤثّر فيها عواصف الإثارة التي تُضّخ أو تَشتعل عفوياً وراجت فكرة أن - صاحبي الوطني له توجّهاته ولي توجّهاتي، لكنّ لدينا ركاماً من المشتركات لأجلي واجله ولأجل أبنائه وأبنائي، فلنعمل متحدين معاً وليترك كل منّا لصاحبه مساحة مساره الخاص - هذه الفكرة المركزية من إعادة اكتشاف المجتمع المدني الوطني نفسه وتحسّسه مواطن القوة والاتحاد في سبيل الصناعة الوطنية لدولة الحقوق والمواطنة أشعلت ذلك الكنز في الضمير والإبداع والقدرات العقلية والتطوعية في الذات الوطنية خاصة قطاع الشباب من الجنسين، وكأنما انتهوا إلى تأسيس قواعد التنظير والتفكير التأصيلية ثم توجّهوا للبناء عليها لقضايا الرأي العام الوطني الإصلاحية. إنّها تباشير الصباح الوطني الجميل نبتهل أن يرعاه الله، وان تتعزز الشراكة بين الدولة والمجتمع في صناعة عهد النجاح الجديد للمجتمع المدني الوطني لقيادة التقدّم العلمي مع التقدّم الإنساني الحقوقي، تلك اجلّ وأعظم رسالة يحققها المجتمع الوطني لذاته، وذاته تدور حول سموّ إنسانه في كل مكان.. الإنسان.. انه الوطن ولأجله يعلو البنيان. وكان من أهم قضايا التقارب الوطني هو فك الاشتباك لدى قطاع من تيار الفكر الإسلامي المحافظ عن قاعدة أصلية للغاية وهي أنّ قوانين الحقوق والتقاضي العادل وتقعيد أنظمة الحريات العامة ليست غير مصادمة للشريعة الإسلامية الغراء وحسب بل هي من موجباتها الأصلية في تحقيق امة العدالة والمساواة والتنمية وان هذه الأقضية والتفصيلات الإدارية متحدة مع مقاصدها وهي وسائط ضرورية لتحقيق هذا الميزان الضروري لمصالح الشعوب، فتضاءلت تلك الحساسية من التصوّر الخاطئ بأن مصطلح المجتمع المدني يعني المجتمع العلماني وأضحى الوعي يدرك ان المقصود تنظيم حقوق المجتمع الأهلي الإدارية والاقتصادية والنقابية والحقوقية الواجبة لكل مجتمع مسلم، كما هو للمجتمع الغربي وتبقى مصادر التشريع لها مكانتها واختلافها في الأصول، ولها حكمتها التي تؤيد وسائط التنظيم الحقوقي ودينامكية الشراكة الشعبية، وأعاد الوعي الإسلامي قراءة تلك الحقيقة التاريخية العظيمة في أنّ أول من سطّر منظومة حقوق دستورية في التاريخ العربي هو تشريع سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في وثيقة المدينة التي جمعت اليهود وفئات عديدة من مشركي الحجاز مع المسلمين. لقد سقطت فكرة التلاعب بمقولة أنّ الكتاب والسُنّة كأصل لمصدر التشريع الإسلامي تمنع التنظيم القضائي والقانوني والحقوقي والتضامن الاجتماعي والعمل التطوعي، بل أضحى هذا الوعي إلاّ من البعض يدرك ان نصوص الكتاب والسُنّة وسيرة النبي «صلى الله عليه وسلّم» وعدالة العهد الراشد تُعزز الاعتقاد بأن الأصلين يوجبان تنظيم الحقوق والتقاضي وكرامة الفرد أياً كان ومهما كان لا يُتجاوز عليه إلاّ في إطار عدلي حقوقي صارم لو انه تجاوز على الآخرين، هذا الوعي الجديد شهد مشاركة فكرية وحركة تثقيف متبادلة وكانت شراكة المرأة السعودية خاصة الشابة تنطلق شريكة للرجل وداعمة له ومتقدّمة عليه في تعزيز ثقافة الحق القانوني وكرامة الفرد في الاقتصاد والسياسة والحريات والتقاضي العادل، إنّها تباشير الصباح الوطني الجميل نبتهل أن يرعاه الله، وان تتعزز الشراكة بين الدولة والمجتمع في صناعة عهد النجاح الجديد للمجتمع المدني الوطني لقيادة التقدّم العلمي مع التقدّم الإنساني الحقوقي، تلك اجلّ وأعظم رسالة يحققها المجتمع الوطني لذاته وذاته تدور حول سموّ إنسانه في كل مكان.. الإنسان انه الوطن ولأجله يعلو البنيان.