الحفل الرائع الذي أقامه فريق مشروع غراس جدة الخميس 29 ديسمبر المنصرم باغت المشهد الوطني من جديد لحجم ذلك المكنوز الهائل في قدرات الوعي والمهارات والإبداع الشبابي لأبناء الوطن الذي يؤكد يوماً بعد يوم تمتع هذه الجغرافيا السعودية بأمواج دفق شبابية من الجنسين تؤمن برسالة صناعة الإنسان والإيمان بمفاهيم الإسلام المقاصدية العظيمة ومنهجيته في صناعة القيم ومحاسن الأخلاق السلوكية والتربوية وتسامحه مع المجتمع واعتنائه بالحكمة والإبداع الخلاّق لكل ما ينفع الإنسان في رحلته التي أُسست بمصطلح الاستخلاف ومعانيه البالغة في الفكر الرسالي لبذل الخير وصناعة المعروف والإحسان للإنسان بتحقيق تكامله الحقوقي , الذي حين يستوطن المجتمع فكراً وثقافة وممارسة فقد حقق الوطن أعلى درجات التقدم وأبلغ قيم المواطنة وقوة الإنسان والأرض . كانت هذه الفكرة تتحد في متابعتي لما كُتب عن الحفل أو من خلال عرض ابني عبد العزيز الذي حضر حفل غراس , بان منظومة القيم التي ترسّخت في ضمير ذلك الفريق الرائع من صُنّاع غراس من بناتنا وبنات جدة الرائعات كان لنجاح ذلك الحفل في عرضه الحقيقي لقوة بناء شخصية الأطفال وعروضهم لفقرات التعريف بالقيم الإنسانية والوطنية وبرنامج البناء للوعي والضمير . المذهل والمشع تفاؤلاً وفرحا أن مؤتمر القيم في حقوق الوطن والمواطنة التي استضافتها كلية دار الحكمة ونفذها فريق غراس للفتيات بعنوان - وطن - قد جسدها فريق من الأطفال الكبار بحواسهم واستيعابهم لفكرة - بناء الإنسان هو قاعدة الوطن - وهنا تطوف بنا فقرات الحفل في عرض رغد العطاس الطفلة مقدمة المؤتمر الواثقة بتنقل بصرها إلى الجمهور يمينا ويسارا، ثم باقي الأطفال خديجة مخدوم، سناء الزهراني، ولمى تنكل، مع مشاركة نوعية للمذيع محمد بازيد , هنا المعنى المزدوج الجميل الطفل لبنة المستقبل إنسان الغد ..شباب البناء يبشرون بالفكرة الإنسانية الإسلامية للوطن ويصنعون ذواتهم على أشعة ضوئها . وكان استدعاء أنظمة الإصلاح التي صدرت في عهد خادم الحرمين لتقنن الحقوق الإنسانية ومعنى شمولية الشريعة في تعظيم حق المواطنة وطرحها من خلال هذا الفريق صورة لشراكة راشدة ومسئولة لوعي الأجيال بضرورة أن تعبر كل مسارات التشريع الحقوقي والتنموي , وان تكون ثقافة يستهدي بها المجتمع والدولة معاً , وهي في ذات الوقت تعطي رمزية مقابلة لما صنعته برامج العرقلة من جرح وطني عائق ومحبط لمشاريع الإصلاح وفلسفة التقدم التي كان الوطن ينتظر ثباتها للبناء عليها . نبلاء الوطن في عرس غراس :هذه الفقرة الجميلة جعلت عاصفة التصفيق تتعاقب على القاعة كدلالة رمزية لمعنى هذا التكريم , فقد اختار مؤتمر غراس شخصيات ذات حضور وطني وإعلامي معطاء وغيور ومتفانٍ لأجل هذا الوطن , وكانت التحية الحاشدة تبسط رداءها للمكرمين . والحقيقة كل شخصية من هؤلاء تحتاج إلى حديث وتفصيل لكنني تأثرت جداً بفكرة التنوع في الشخصيات المكرمة وأيضاً الجغرافية وهي رسالة نبيلة واعية تؤكد أن الوعي الوطني التقدمي كما يثبت لنا خطاب السعوديين الجدد في برلمان التويتر والإعلام الجديد , هو تيار قيم عابر للعنصريات والتأزمات المناطقية أو التيارية وانه هنا يقدم أنموذجا جميلا لمعنى السمو الوطني لجيل المعرفة الجديد وانه بالفعل رصيد الوطن وكنزه القيمي وقاعدة وحدته الاجتماعية . لكن الغراسيين والغراسيات ادمعوا عيني ...نعم لقد دمعت وأنا أتابع تغطية مؤتمرهم ودمعت وأنا أكتب هذا المقال ..إنها جدة العظيمة أيها السادة..جدة الأم الرؤوم الحاضنة مشرقةٌ بهية تحضننا من جديد , وحينَ أطرقتُ لخيال الكاتب بدت لي جدة سيدة جليلة قد جرح جبينها وعلا الغبار شعرها من سقوط الحطام الذي صنعته ايدي التقصير , وبدت لي أنها ألقت ذلك الحطام ومسحت ذلك الجبين المؤمن الوضّاء ثم أفردت ذراعيها لتتطلع لغرسها وتحضنه وتحضن الوطن به , جدة كريمة غنية ..عظيمة , حتى وهي تتوجع هي ..هي ..من جديد تلتقينا بالتباشير والزغاريد افرح يا وطن.. غرسي يورق من جديد .