يخوض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي انتخابات مغمسة بالدم غدا من دون منافس واضح داخل الطائفة الشيعية، على عكس الانتخابات السابقة التي شهدت معركة بينه وبين اياد علاوي حبست انفاس الناخبين والمراقبين منذ اللحظات الاولى لفتح صناديق الاقتراع, فيما اطلق المالكي العنان لمليشيات شيعية لتعيث قتلا في المناطق السنية بحجة محاربة «داعش», وشهدت الانتخابات امس خمسة تفجيرات انتحارية استهدفت القوات العراقية. ويقول المحلل السياسي العراقي عزيز جبر لوكالة فرانس برس ان «التفكك الذي ضرب الطائفية الشيعية على مدى السنوات الاربع الماضية لم يساعد في ابراز شخصية سياسية شيعية اخرى غير المالكي الذي سينافس في هذه الانتخابات خصما شيعيا غير واضح». ويضيف ان «هذه الانتخابات، وإن كان يخوضها المالكي من دون منافس بعينه، ترقى الى مسألة الحياة او الموت بالنسبة اليه، فالولاية الثالثة تعني الحفاظ على كل مكتسبات رجل السلطة، وضياعها يعني ضياع كل تلك المكتسبات، وربما الملاحقة القانونية». وتنظم الانتخابات غدا الاربعاء في وقت تعيش البلاد على وقع اعمال عنف يومية، بدأت تتصاعد منذ اكثر من عام حين اقتحمت القوات المسلحة اعتصاما سنيا مناهضا لرئيس الوزراء في عملية قتل فيها العشرات. ويقول دبلوماسي غربي في بغداد ان الكيانات المرشحة «لم تشكل تحالفات توفر خيارا واضحا قبل الانتخابات حول من سيكون رئيس الوزراء. الجميع ينتظر تقييم ادائه خلال الانتخابات». ويضيف ان هوية رئيس الوزراء المقبل هي «مفتاح هذه الانتخابات» المغايرة لتلك التي سبقتها من حيث المنافسة الشخصية، والتي تجلت حينها بالسباق المحتدم بين المالكي نفسه وخصمه اللدود اياد علاوي. وحل ائتلاف «دولة القانون» بزعامة المالكي في العام 2010 خلف ائتلاف «العراقية» بقيادة علاوي والذي تفكك اليوم وبات عبارة عن كيانات مستقلة. لكن خسارة الانتخابات لصالح الائتلاف الذي قدم نفسه على انه تحالف قوى علمانية ضمت شخصيات سنية بارزة، لم تبعد المالكي عن كرسي رئاسة الوزراء. يضيف جبر ان «هذه الانتخابات، وإن كان يخوضها المالكي من دون منافس بعينه، ترقى الى مسألة الحياة او الموت بالنسبة اليه، فالولاية الثالثة تعني الحفاظ على كل مكتسبات رجل السلطة، وضياعها يعني ضياع كل تلك المكتسبات، وربما الملاحقة القانونية».ونجحت حينها «المؤسسة» الشيعية بجناحيها المحلي والاقليمي في فرض رئيس الوزراء المنتهية ولايته مرشحا لرئاسة الحكومة مرة اخرى رغم خسارته بفارق مقعدين امام اياد علاوي. ويقول الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى مايكل نايتس ان المالكي «يستخدم ورقة الازمة الامنية لابعاد الانظار عن الاخفاقات الاخرى لحكومته». ويضيف «اذا نجح في ذلك، فإن الاضطراب الامني سيساعده كثيرا». وبينما تغرق البلاد في موجة من العنف اليومي المتصاعد، الذي قتل فيه منذ بداية العام الحالي اكثر من 2900 شخص، يسيطر مسلحون متطرفون مناهضون للحكومة منذ بداية 2014 على مدينة الفلوجة التي تبعد 60 كلم فقط عن غرب البلاد، وعلى اجزاء من مدينة الرمادي المجاورة. ودأبت السلطات العراقية وعلى رأسها المالكي، القائد العام للقوات المسلحة الذي يمسك ايضا بوزارتي الدفاع والداخلية، على إلقاء اللوم في الاحداث الامنية في البلاد من تفجيرات وعمليات اغتيال على «اطراف خارجية». كما ربط المالكي الاضطرابات الامنية وتزايد قوة المسلحين السنة المناهضين للسلطات الشيعية بالنزاع الدامي في سوريا المجاورة. ويقول جبر ان «صورة الرجل القوي التي يحاول المالكي الظهور بها، لن تفيده كثيرا بين السنة» الذين حكموا البلاد لعقود قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003 والذين يتهمون رئيس الوزراء ومعه السلطة الشيعية الحاكمة بالعمل على تهميشهم. ويضيف «لن يقبل السنة بولاية ثالثة للمالكي بعد تعبئة ضده استمرت لاربع سنوات. بقاؤه على رأس الحكومة قد يقود نحو اضطرابات امنية اكبر». التصويت الخاص الى ذلك, فتحت مراكز الاقتراع في انحاء العراق امس ابوابها امام الناخبين في عملية التصويت الخاص في انتخابات البرلمان التي تشمل بشكل اساسي القوات المسلحة. وأمام مركز تصويت في مدرسة في وسط بغداد قال احمد وهو شرطي لوكالة فرانس برس «أتيت للمشاركة في الانتخابات من اجل العراق ومن اجل تغيير الوجوه التي لم تخدم العراق». وأضاف «نريد ان نختار اناسا افضل». وتشمل عملية التصويت الخاص ايضا المهجرين المسجلين، ونزلاء السجون وموظفيها، اضافة الى نزلاء المستشفيات والعاملين فيها. واعلنت مفوضية الانتخابات امس ان نحو 60 الف عراقي شاركوا في عملية التصويت في الخارج. إطلاق العنان لميليشيات شيعية وأطلق المالكي, العنان لميليشيات شيعية في الحرب على المسلحين السنة, فحين سيطر مسلحون سنة على بلدة بهرز أواخر الشهر الماضي مكثوا فيها بضع ساعات. وفي صباح اليوم التالي وبعد أن رحلوا عن البلدة وصلت قوات أمن عراقية وعشرات من مقاتلي ميليشيا شيعية وتحركوا من منزل إلى منزل بحثا عن أي مسلحين سنة أو متعاطفين معهم في هذه المنطقة الريفية التي يكسوها النخيل وبساتين البرتقال. ويروي شيوخ قبائل شيعة وشاهدا عيان وسياسيون حكايات مروعة عما حدث بعد ذلك. قال رجل «كان هناك رجال يرتدون ملابس مدنية جاءوا على متن دراجات نارية يصرخون: علي معاك» في إشارة إلى الإمام علي بن أبي طالب. وأضاف «بدأ الناس بالهرب من منازلهم تاركين وراءهم كبار السن والشباب وكذلك من رفض الهرب. قامت الميليشيات بعد ذلك باقتحام المنازل. اصطحبوا الشباب بالقوة وقاموا بإعدامهم فورا». وحولت هذه الأحداث البلدة الواقعة على بعد 35 ميلا شمال شرقي بغداد إلى خط مواجهة في حرب طائفية تتجمع نذرها في أفق العراق. في بهرز وفي قرى وبلدات أخرى في محيط العاصمة تدور معركة ضارية بين الدولة الإسلامية في العراق والشام تلك الجماعة السنية المتطرفة التي تقود تمردا دمويا حول بغداد منذ أكثر من عام وبين قوات الأمن العراقية التي استعانت في الشهور الأخيرة بميليشيات شيعية للقيام بمهمة قوات الطليعة. وقبيل الانتخابات العامة المقررة غدا ينزلق العراق بوتيرة سريعة مرة أخرى إلى تلك الأحداث المروعة التي شهدها في الماضي القريب. ويخشى مسؤولو الأمن وشيوخ القبائل والسياسيون أن تعيث الدولة الإسلامية في العراق والشام فسادا في العاصمة كما سبق وأن فعلت الجماعة التي انبثقت عنها في الأعوام التي أعقبت الغزو الأمريكي. حينها كان متطرفون سنة ينفذون تفجيرات متعددة بسيارات ملغومة في بغداد بصورة يومية تقريبا وكانوا يقتلون الشيعة بلا مانع ولا رادع. والانتخابات المقررة هذا الشهر بما تنطوي عليه من تنافس على تشكيل حكومة جديدة ستتيح أرضا خصبة للنزاع في ظل وجود عدد من القوائم الشيعية التي تتنافس على رئاسة الوزراء ومع تطلع السنة والأكراد لاقتناص مناصب كبرى واعتزام رئيس الوزراء نوري المالكي البقاء في منصبه. والاعتدال سمة نادرة حتى إن بعض الساسة السنة ينكرون وجود تنظيم الدولة الاسلامية في الأنبار ويلقون باللائمة في كل الاضطرابات الحادثة هناك على المالكي حتى وإن كان هذا يعني استمرار انتشار الجماعة. وفي المقابل انضمت ميليشيات إلى مهام الجيش العراقي القتالية ضد المسلحين وأرسلت مقاتلين لمحاربة المسلحين السنة في سوريا. وتشكل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله معظم مقاتلي الميليشيات الشيعية التي تساعد قوات الأمن العراقية. وقال ثلاثة سياسيين شيعة كبار إن أعضاء في عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وآخرين يدافعون عن بغداد الآن في إطار تنظيم مرتبط بالمكتب العسكري لرئيس الوزراء ويطلق عليه اسم أبناء العراق. وقال مقاتل متطوع قال إن اسمه عباس إنه انضم لجماعة أبناء العراق الجديدة وقاتل لثلاثة أشهر في أبو غريب. وقال إن كتيبته كانت ترفع تقاريرها إلى مدير مكتب رئيس الوزراء. وأضاف «كلنا من المذهب الشيعي. الناس يرحبون بنا عندما يعلمون أننا شيعة وأننا جئنا لتحريرهم وقتال تنظيم الدولة الاسلامية». وأضاف إنه كان يتم جمع الرجال في قاعدة جوية بغرب بغداد ثم تسليمهم ملابس عسكرية وبنادق إم-16 ثم دفعهم للقتال ضمن كتيبة من 750 فردا حول منطقة الزيدان إلى الغرب من بغداد وفي اللطيفية جنوبي العاصمة. وقال إن آخرين ابتعدوا حين لم تدفع لهم الحكومة شيئا بعد ثلاثة أشهر لكنه كان يتحدث بفخر عن العمليات القتالية. مضى قائلا «عندما نجدهم داخل منزل نقوم بقتلهم. بعد ذلك نقوم بتدمير المنزل أو حرقه. قمنا بحرق تلك المنازل لكي لا تكون مأوى للإرهابيين». وقدر عدد المنازل التي دمروها بنحو 25 أو 26 منزلا. تفجيرات انتحارية ميدانيا, عجزت القوات العراقية امس عن حماية افرادها في يومها الانتخابي الخاص حيث تعرضت الى سلسلة هجمات بينها سبع تفجيرات انتحارية داخل مراكز انتخابية قتل فيها 23 شرطيا وجنديا. وألقت هذه الهجمات شكوكا اضافية حيال قدرة القوات العراقية على تأمين الحماية للناخبين خلال الانتخابات التشريعية العامة يوم غد الاربعاء، والتي تنعقد في ظل تصاعد اعمال العنف وتزايد الانقسامات الطائفية. وكما هي الحال في معظم الايام الدامية في العراق، لم يصدر اي رد فعل على اعمال العنف هذه من قبل حكومة الشراكة الوطنية التي تعيش منذ سنوات صراعا بين وزرائها والكتل الممثلة فيها، كما لم تتبن هذه الهجمات اي جهة حتى الآن. ويمثل هذا اليوم الدامي ضربة لرئيس الحكومة نوري المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006 ويضع ثقله السياسي في الانتخابات محاولا العبور من خلالها نحو ولاية ثالثة على رأس الحكومة رغم الاتهامات التي يوجهها خصومه اليه بالتفرد بالحكم والعجز عن الحد من الفساد وتحسين الخدمات. وبعد يوم من بدء العراقيين المقيمين في الخارج التصويت في دولهم، توجه افراد القوات المسلحة التي يبلغ عددها نحو 800 الف عنصر منذ الساعة السابعة من صباح امس الى 534 مركز انتخاب تشمل 2670 محطة اقتراع في عموم البلاد. وأمام مركز تصويت في مدرسة في وسط بغداد، قال احمد وهو شرطي لوكالة فرانس برس «أتيت للمشاركة في الانتخابات من اجل العراق ومن اجل تغيير الوجوه التي لم تخدم العراق». وأضاف «نريد ان نختار اناسا افضل». وفي النجف (150 كلم جنوببغداد)، بدأ أفراد الشرطة والجيش التجمع عند ابواب مراكز الاقتراع قبل نصف ساعة من فتحها وسط اجراءات امنية تشمل نشر 27 الف عنصر امني في المدينة، بحسب ما افاد مراسل فرانس برس ومصادر امنية في المحافظة. وقال الشرطي فلاح حسن عبود وهو ينتظر دخول مركز انتخابي في وسط النجف «جئنا نلبي نداء المرجعية وهي فرصة للتغيير. التغيير السياسي بأيدينا»، في اشارة الى المرجعية الشيعية التي لم تدع للتصويت لطرف سياسي معين انما للمشاركة سعيا وراء «التغيير». وشملت عملية التصويت الخاص اليوم ايضا المهجرين المسجلين، ونزلاء السجون وموظفيها، اضافة الى نزلاء المستشفيات والعاملين فيها. وفي سجن الرصافة الاولى في بغداد حيث يدلي 2500 سجين بأصواتهم، طلب عدد من السجناء الذي كانوا يصوتون من موظفي المحطة توجيهم حتى يصوتوا لصالح رئيس الوزراء نوري المالكي. وقال موظف في وزارة العدل لفرانس برس رافضا الكشف عن اسمه «أنا مندهش من هؤلاء السجناء الذين يرزحون ظلما في السجون، وينتخبون الشخص الذي ظلمهم». وسرعان ما تحولت مراكز الاقتراع الخاصة بقوات الجيش والشرطة الى اهداف لهجمات انتحارية، رغم الاجراءات الامنية المشددة. وقال ضابط برتبة عقيد قي الشرطة ومصدر طبي رسمي لوكالة فرانس برس ان انتحاريا فجر نفسه داخل مركز انتخابي في منطقة المنصور في غرب بغداد، ما ادى الى مقتل ستة من الشرطة واصابة 15 شخصا اخر بجروح. وقتل في مركز انتخابي في منطقة الاعظمية القريبة اربعة من الشرطة وأصيب 15 بجروح في تفجير انتحاري بحزام ناسف. وفي هجوم مماثل، قتل اربعة من عناصر الشرطة وأصيب 11 بجروح عندما فجر انتحاري نفسه في مركز اقتراع في طوزخرماتو على بعد نحو 175 كلم شمال بغداد، بحسب ما افاد قائمقام القضاء شلال عبدول. وقام انتحاري ثالث بتفجير نفسه في مركز انتخابي في جنوب كركوك (240 كلم شمال بغداد) ما أدى الى مقتل ثمانية من عناصر الشرطة واصابة تسعة اخرين بجروح. وفي مركز انتخابي غرب كركوك حاول جندي منع انتحاري من تفجير نفسه فاحتضنه، لكن الاخير فجر نفسه فقتلا معا. وحاول انتحاري تفجير نفسه امام مركز انتخابي في غرب الموصل (350 كلم شمال بغداد)، لكن القوات الامنية قتلته قبل ان يقوم بذلك، الا ان انتحاريا ثانيا تمكن من تفجير نفسه في المركز الانتخابي ذاته بعد وقت قصير من الحادثة الاولى، ليصيب ثلاثة شرطيين وجنديين بجروح. وفي الموصل ايضا، اصيب ستة صحافيين بجروح في تفجير عبوة ناسفة استهدفت باصا عسكريا كان ينقلهم الى مركز انتخابي. واستهدفت عبوة ناسفة ايضا دورية للجيش في غرب كركوك، ما ادى الى مقتل جندي واصابة اثنين اخرين بجروح. كما قتل جندي وأصيب خمسة جنود وعناصر شرطة بجروح في انفجار عبوة استهدفت موكبا مشتركا كان في طريقه الى مركز انتخابي في الحبانية قرب مدينة الرمادي (100 كلم غرب بغداد)، بحسب مصادر في الجيش والشرطة.