يزور الرئيس الأمريكي باراك أوباما المملكة اليوم، في ثاني زيارة للمملكة وفي خامس لقاء يجمعه بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، منذ أصبح أوباما رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية عام 2009م. الزيارة الأولى التي أجراها الرئيس أوباما للمملكة في 3 يونيو 2009، كانت رمزية وذات مغزى، إذ أراد أن تكون المملكة أول بلد يزوره في الشرق الأوسط، ولإظهار روح الصداقة العميقة لبلاد الحرمين الشريفين، إذ انتهج خطة لإصلاح العلاقة مع العالم الإسلامي، في أعقاب العداء الذي أظهره سلفه الجمهوري جورج بوش للعالم الإسلامي، ونهجه الأحادي الإمبراطوري، وخوضه معارك حرب حضارات مع العالم الإسلامي، باسم محاربة الإرهاب. وكان الرئيس أوباما، أثناء زيارته إلى الرياض، في طريقه إلى مصر، حيث وجه خطاب نوايا حسنة إلى المسلمين من جامعة القاهرة. ولم تواصل إدارة أوباما خطة إصلاح العلاقات مع العالم الإسلامي كما ينبغي، ربما لأنها انشغلت في علاقات داخلية، بما في ذلك معارك مع الجمهوريين فيما يتعلق بالميزانية وبرنامج الرعاية الصحية، والفكرة المفاجأة للتقرب إلى طهران. وسيجري الرئيس الأمريكي اليوم، مع خادم الحرمين الشريفين ومع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، محادثات يجمع المراقبون على أنها مفصلية، وذات تأثير قوي على مستقبل العلاقات بين البلدين. ويبدو واضحاً أن الرئيس الأمريكي سيحاول تبديد الضباب الذي اعترى العلاقات في الأشهر الماضية. الصداقة الشخصية على مستوى العلاقات الشخصية، يبدو واضحاً أن الانسجام متبادل بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الأمريكي، إذ عبر أوباما في مناسبات عديدة عن احترامه الصادق لخادم الحرمين الشريفين، ففي تصريح عقب زيارته للمملكة عام 2009، قبل زيارته القاهرة، أشار بلفتة شخصية: «أنا دائماً استمع للملك وإلى حكمته وإلى كرمه.. الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية لهما تاريخ طويل من الصداقة، والعلاقة التي تربطهما هي علاقة إستراتيجية». مضيفا «هذه الجولة التي أبدؤها في منطقة الشرق الأوسط هنا في الرياض وغداً في القاهرة، كان من المهم جداً أن أبدأ الزيارة بالمملكة العربية السعودية وهي مهد الإسلام.. سأستمع إلى نصائح خادم الحرمين الشريفين في العديد من القضايا التي نواجهها سويا، وأريد أن أشكره مرة أخرى على كرمه الشخصي وحسن الضيافة، وأنا واثق أن بالإمكان أن نعمل سوياً، المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية، في إحداث تقدم في جميع القضايا التي نواجهها». وبادله خادم الحرمين الشريفين ذات الحميمية: «أشكر فخامة الرئيس على هذه الزيارة، وعلى هذا الإطراء، ولا يستغرب على المملكة العربية السعودية وأمريكا، لأن أمريكا من أصدقاء المملكة العربية السعودية منذ وقت الملك عبدالعزيز وكذلك الرئيس روزفلت.. تحياتي للشعب الأمريكي الصديق؛ لأنه يمثله شخص يستحق هذا المركز وشكراً». وأثناء زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الولاياتالمتحدة في 30 يونيو 2010م، أجرى محادثات مع الرئيس أوباما، وأيضاً كرر الرئيس الأمريكي كلمات الاحترام لشخص المليك وللصداقة بين المملكة والولاياتالمتحدةالأمريكية بقوله: «أرحّب بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله إلى البيت الأبيض، ويسعدني أن أبادله الضيافة الرائعة التي قدَّمها لي وللوفد المرافق لي عندما زرت المملكة العربية السعودية وزرته في مزرعته» (في بالرياض). وأضاف: «منذ خمسة وستين عاماً كان اللقاء التاريخي الذي تم آنذاك بين الرئيس فرانكلين روزفلت وجلالة الملك عبدالعزيز والعلاقات الثنائية بين البلدين وطيدة وقوية». وتابع: «أنا أثمّن الحكمة ووجهات نظر وآراء خادم الحرمين الشريفين الحكيمة، وقد عقدنا مباحثات مثمرة تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا أخرى ذات صلة بالرفاه والازدهار والأمن حول العالم». وأعرب خادم الحرمين الشريفين عن شكره للرئيس أوباما قائلا: «شكراً فخامة الرئيس، أوفيت كل شيء ولا أبقيت لي شيئا.. ولكن أحب أن أقول إنك رجل محترم عالمياً.. وأحب أن أقول للشعب الأمريكي إنه شعب صديق للمملكة العربية السعودية وللعرب وللإنسانية». وأثناء زيارة جوزف بايدن نائب الرئيس الأمريكي إلى الرياض في 27 يوليو 2010 لتقديم واجب العزاء في وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رحمه الله، قال بايدن: «علاقاتنا مع السعودية قائمة على المصالح الاستراتيحية المشتركة والروابط الشخصية المتينة. إن الملك عبدالله والرئيس أوباما يتبادلان الاحترام الشديد، ونأمل استمرار علاقاتنا القوية كما هي عليه منذ عقود عدة». أوباما يمتدح الأمير سلمان في أعقاب وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، رحمه الله، وحينما أصدر خادم الحرمين الشريفين أمراً بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للدفاع، أبرق الرئيس أوباما لخادم الحرمين الشريفين مهنئاً بهذا الاختيار وممتدحاً نهج سمو الأمير سلمان وشخصيته وحكمته «إن سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز خدم بلاده بتفان وشرف على مدى العقود الخمسة الماضية أميراً للرياض ثم وزيراً للدفاع». وأضاف «لقد سرني أنني استقبلته في البيت الأبيض في شهر أبريل الماضي، وأعرف أنه رجل ذو إيمان عميق ملتزم بتحسين حياة شعب المملكة العربية السعودية وأمن المنطقة». ولفت الرئيس الأمريكي إلى «أن الولاياتالمتحدة تتطلع لاستمرار علاقتها القوية مع المملكة، في ظل اختيار الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد، بالإضافة إلى تعميق الشراكة الطويلة بين الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية». طمأنة للمملكة والخليج ويرى مراقبون أن زيارة الرئيس الأمريكي للرياض، تهدف إلى طمأنة المملكة باستمرار علاقة الصداقة بين البلدين، بعد ما اعتبر تحولاً في السياسية الأمريكية تجاه إيران، خاصة النغمة الودية التي تبناها البيت الأبيض تجاه طهران، على مدى الشهور الماضية، وكبح جماح الصقور الجمهوريين في الكونغرس الذين يطالبون بمواقف أمريكية متشددة إزاء إيران فيما يتعلق بملفها النووي وتدخلاتها الكثيرة المثيرة للاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، واستمرارها في تجنيد الخلايا الإرهابية في بلدن عديدة في المنطقة. وتصاعدت حدة الاختلافات في الطروحات بين المملكة والولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أن تراجع الرئيس الأمريكي عن تهديدات بمهاجمة النظام السوري في سبتمبر الماضي، إذ نجحت طهران في شراء الموقف الأمريكي بوعد تسليم الأسلحة الكيماوية السورية إلى الغرب لتدميرها. ومثل ذلك التراجع خيبة أمل واسعة في أوساط الشعوب والحكومات الخليجية والعربية المناصرة للسوريين ضد نظام الأسد وقوات الاحتلال الإيراني التي تدير برامج التطهير العرقي في سوريا، حتى أن نظام الأسد ورعاته فسروا التراجع الأمريكي الغربي عن التهديدات بأنه ضوء أخضر لمواصلة المذابح وتدمير المدن السورية، وذلك ما حدث بالفعل. ومثلت الأسلحة الكيماوية السورية، والبرامج النووية الإيرانية، نقطة ضعف في الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط، واستغلت كل من طهران وموسكو نقطة الضعف هذه إلى أبعد مدى، حتى أن إدارة أوباما بدت في الأشهر الأخيرة ليست إلا مدافعاً عن المصالح الإيرانية، وتبدي الكثير من التودد والمداراة لطهران على أمل تحقيق تقدم في قضية الملف النووي الإيراني. وتعطي طهران بعض الآمال للإدارة الأمريكية، بالموافقة على نقاط هامشية، مثل وعد ب«تأجيل»، وليس وقف التخصيب اليورانيوم، لا تؤثر في برنامجها النووي على المدى البعيد وتغري واشنطن بالاستمرار في التودد لطهران وتقديم الخدمات لها. وبأسلوب يمكن طهران من استئناف الأعمال في اليوم التالي، فيما لو لم تستمر واشنطن في تلبية الرغبات الإيرانية. الهدايا الأمريكيةلطهران وترى البلدان الخليجية أن واشنطن أفرجت عن أموال إيرانية، وقدمت لطهران هدايا ثمينة، مثل الاحجام الأمريكي عن دعم نوعي للمعارضة السورية، مقابل وعود يستطيع آيات الله في طهران التراجع عنها ببساطة دون أن يخسروا شيئاً، وبلا خشية من رد أمريكي عنيف بالنظر إلى عزوف واشنطن عن اتخاذ خطوات جريئة مثل موقفها الضعيف والمتردد عن مناصرة السوريين، وأخيراً موقفها الضعيف من أزمة القرم، وهو الموقف الذي جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يتصرف على أنه مهندس تاريخ دولي، مما يزيد من مخاوف اصدقاء واشنطن بأنها قد لا تكون مستعدة لاتخاذ مواقف ضرورية أكثر تشدداً فيما لو طورت طهران من سلوكياتها العدوانية تجاه دول الخليج، بتشجيع من الأداء الضعيف للدبلوماسية الأمريكية في المنطقة، بل أن واشنطن دعمت، في الشهرين الماضيين، رئيس وزراء نوري المالكي رجل إيران في العراق، بتسليح نوعي، بحجة محاربة الإرهاب. ولا بد أن واشنطن تعلم أن المالكي يستخدم كل الأسلحة تحت يده؛ لتعزيز ثقافة التطهير والحرب الطائفية في العراق، وإخضاع العراق للهيمنة الإيرانية الكاملة. وذلك لا يثير مخاوف في منطقة الخليج فقط، وإنما أيضاً قلقاً في طول العالم العربي وعرضه. وينتظر الخليجيون زيارة الرئيس الامريكي؛ ليعرفوا ما إذا كانت الإدارة الأمريكية تعلم مدى تورطها في إضعاف الصداقة التاريخية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة ودول الخليج، ومدى مساهمة واشنطن وجهودها الأخيرة في تقوية القوى التي تجعل من العداء لأمريكا واصدقائها ثقافة وهوية طهارة. آمال بالتصحيح ويعتقد على نطاق واسع أن الرئيس الأمريكي ما كان ليضع المملكة على جدول زياراته لو لم يكن يحمل خطة؛ لتجديد تعزيز الثقة بين المملكة والبلدان الخليجية من جهة، والولايات من جهة أخرى. خاصة أن الرئيس يتعرض لضغوط من الحزب الجمهوري الذي يلوم الإدارة الأمريكية على تعريض العلاقات التاريخية الواثقة مع بلدان الخليج لهزات لا تعوضها الوعود الإيرانية الغامضة والمراوغة. وواضح أن سوريا والعلاقات مع إيران ستكونان في مقدمة الموضوعات الساخنة. خاصة أن مرشح الرئاسة السابق السيناتور الجمهوري جون مكين يواصل انتقاد سياسات أوباما إزاء سورياوإيران ويصفها بالفشل. وسبق لمكين أن قلل من أهمية الصفقة التي ابرمتها واشنطن مع روسياوطهران ليسلم الأسد أسلحته الكيماوية. وقالت سوزان رايس مستشارة أوباما للأمن القومي للصحفيين في واشنطن يوم الجمعة الماضي: "سنعزز بعضا من أهم علاقاتنا في الشرق الاوسط." في تعليقها على زيارة الرئيس أوباما إلى الرياض. خلافات أساليب ونقلت وكالة رويتزر يوم أمس الاول، عن مسؤول سعودي كبير قوله: إن العلاقات الثنائية بين البلدين قوية وذات قاعدة عريضة وقائمة على مؤسسات. وأضاف: إن الجانبين يشتركان في كثير من الاهداف وتربطهما علاقة عمل وثيقة في سلسلة من القضايا. ووصف المسؤول الخلافات بشأن سوريا وايران بأنها خلافات على الأساليب لا على الأهداف الاستراتيجية، وقال إن زيارة أوباما ليست لاصلاح ذات البين، بل تأتي في إطار المشاورات المنتظمة على مستوى عال بين الزعيمين. وقالت تمارا كوفمان ويتس مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى من 2009 إلى 2012 للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف في الآونة الأخيرة: "ما من شك أن الرئيس أوباما سيواجه مطالب وطلبات وتوقعات من نظرائه في الخليج؛ لمحاولة معالجة التوازن العسكري (في سوريا) بطرق قد تسهم في تسوية الصراع." وأبلغت ويتس مديرة مركز سابان لدراسات الشرق الاوسط في لندن، وكالة رويترز، إنه سيكون من الصعب على أوباما اتمام هذه الرحلة على نحو فعال دون اتخاذ بعض القرارات الواضحة بشأن مدى استعداد الولاياتالمتحدة لمساعدة المعارضة السورية، بالتنسيق مع حلفائها في منطقة الخليج. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، في 4 فبراير الماضي حينما أعلن نبأ زيارة الرئيس أوباما إلى المملكة: إن الزيارة، تأتي في إطار "المشاورات المنتظمة" وسيجري بحث، العلاقات الاستراتيجية الإقليمية والأمنية والمصالح المتعلقة بالخليج، فضلا عن جهود السلام في الشرق الأوسط. وأشار كارني إلى العلاقة بين المملكة والولاياتالمتحدة «شراكة مهمة جدا وقريبة». وفي الحقيقة، لم تصل العلاقات بين البلدين إلى مرحلة التدهور، كما يحاول الإعلام المعادي لهذه الصداقة، ولكنها اتسمت برسائل عتاب ومحاولة إعادة تجديد المبادئ المشتركة بين البلدين. وسبق أن نوه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، حين أجرى محادثات مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في شهر يناير الماضي، ب «العلاقات القوية بين بلدينا الصديقين.. حيث جرى اجتماع مميز وسلس استمر مدة ثلاث ساعات، وهذا يدحض التحليلات والتعليقات والتسريبات التي أسهبت مؤخرًا في الحديث عن العلاقات السعودية الأمريكية، وذهبت إلى حد وصفها بالتدهور ومرورها بالمرحلة الحرجة والدراماتيكية». مما يعني أن كلاً من الرياضوواشنطن تحافظان على صداقة تاريخية قد تعتريها أحياناً اختلافات في وجهات النظر، مما يتطلب مواصلة المحادثات والمشاورات؛ لتصحيح الرؤى والمعطيات، وتأتي زيارة الرئيس أوباما في هذا الإطار.