النظر الى استراتيجية وصراع مشاريع الاطراف الإقليمية المحيطة بالعالم العربي جغرافيًا أو البعيدة عنه والتي تداخلت في اطارات الاحتلال والعولمة فيه يضعنا امام قراءات متعددة نستخلص منها حالات وتفاعلات مستمرة في اوضاع بلدان العالم العربي، وهو ما يمكن ان نجده في تنوع قراءات بعض الباحثين والكتاب عنها واستنتاجاتهم. ويصبح من الضروري دراسة أوضاع النظم الإقليمية من تعدد الوجهات وصولًا الى معرفة الآفاق في طبيعة التنافس والمصالح فيها أو انعكاساتها. فبعض الكتاب يحددها وهو منطلق من نظرة عامة لما يجابه العالم العربي عمومًا، ويمكن إسقاطها أيضًا على المشرق العربي بحكم كونه جزءًا متكاملًا منه، ويختصرها بثلاثة مشاريع استراتيجية تتضمن جميع المجالات والأصعدة الأساسية التي تؤشر لدور ومكانة وموقع وخطط وأهداف وطموحات وتحديات، هي: المشروع الصهيوني، والمشروع التركي، والمشروع الإيراني، ويؤشر بديهيًا الى تغيب المشروع العربي بينها. ومن خلالها يمكن قراءة استراتيجيات كل دولة اقليمية منها، وخطر دورها أيضًا، فيوصف كل منها بما يلي: «المشروع الأول: الصهيوني المتحالف مع الاحتكارات المتعددة الجنسيات بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، الذي ابتلع فلسطين وأجزاء من البلدان العربية، ولم تقف أطماعه عند حدود معينة، ويسعى للوصول الى منابع النفط، والهيمنة الكاملة على المنطقة العربية. المشروع الثاني التركي: برز هذا المشروع بعد نجاح الحركة الاسلامية بتثبيت أقدامها في تركيا، وفيه حنين للماضي بإحياء «الدولة العثمانية» التي هيمنت على الوطن العربي 400 عام. وبعد فشل محاولاتها المتكررة في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي وجدت بالأسواق العربية ملاذًا لصادراتها مستفيدة من العلاقات التي أنشأتها مع الأقطار العربية، وتضامنها مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضد الحصار الصهيوني، وتحالفها مع الحركات الاسلامية في الوطن العربي وخاصة في سورية، وهي تضع قدمها الأولى في حلف الأطلسي والأخرى في الوطن العربي. أما المشروع الثالث فهو الإيراني ولد هذا المشروع بعد الثورة الايرانية ووصول التيار الاسلامي للحكم، وبعد الحرب الضروس مع العراق، استفاد من الاحتلال الامريكي للعراق بهزيمة خصمه ووصول حلفائه للحكم. وقد كان لموقف إيران المعادي للاحتلال الصهيوني ودعم المقاومة المسلحة بقيادة حزب الله في لبنان، وحركتي حماس والجهاد في فلسطين دور بارز بازدياد نفوذ ودور ايران في المنطقة وتوسيع قاعدة حلفائها، وقد تراجع هذا النفوذ في الآونة الاخيرة على خلفية استقطابات الأزمة السورية. وذكر الكاتب أن المشروعات الثلاثة «تتمحور في ظل تغيب المشروع النهضوي التحرري العربي، وإن كنا ننظر للمشروع الصهيوني الأكثر خطورة باعتباره نقيضًا للمشروع العربي، فانني لا أعتبر المشروعين التركي والإيراني كذلك إلا بالقدر الذي تتناقض مصالحهما مع مصالح الأمة العربية، ولا ينظر لهما باعتبارهما اعداء للأمة العربية، بل يفترض أن يكونا شركاء وحلفاء بالقدر الذي تتوافق مواقفهما مع مصالح الأمة العربية، مع اظهار مواقف حازمة حيال أي أطماع توسعية على حساب الوطن العربي، فالثورة العربية يفترض أن تشكل مدخلًا لإحياء المشروع العربي الحضاري، الذي يحتاج مناخًا ديمقراطيًا ورؤية تقدمية لمستقبل الوطن العربي»(1). ركز الكاتب في طرحه على الاهمية السياسية لكل اقليم وعلاقاته وتدرج مخاطره والنظر اليه وفق المصالح العربية. بينما طرح كاتب آخر، وهو باحث عربي من مصر، في موضوعه عن استراتيجيات الدول الاقليمية آراء وأسئلة أخرى، منها مكرر ومنها اضافة، جمع بينها أو على اغلبها خلفيات ايديولوجية او سياسية وحتى اقليمية تكشف عن رغبات ذاتية اكثر مما هي قراءات موضوعية. رغم انها تاريخيًا كتبت قبل المتغيرات الجديدة التي حصلت في بلاده -مصر، وعزل حكم حركة الاخوان المسلمين واعتقال قياداتها وتقديمهم للمحاكم. وقد فندت بعضها المتغيرات ذاتها، ولكني أشير اليها لمطالعة ما يدور في مستويات البحث والقراءات العربية خصوصًا لما يحيط بالمشرق العربي. وهذه الملاحظة لا تتعلق بما يلي من نص الكاتب فقط، وإنما تكاد أن تكون أعم منه. استعرض الكاتب استراتيجيات الدول الإقليمية في بعض الجوانب التي تناولها، فيرى أن هناك صعودًا متناميًا سياسيًا واقتصاديًا لأدوار القوى الإقليمية وبخاصة تركيا، وإيران ودول الخليج، فضلًا عن الدور الإسرائيلي. ويصفها أيضًا كما يلي: «الدور التركي يعتمد على رؤية ثاقبة مدركة لأهدافها، مستندًا إلى قوة اقتصادية صاعدة، ودبلوماسية هادئة تسعى إلى تصفية كل مشكلاتها الخارجية، اعتمادًا على استراتيجية (صفر مشاكل)، مع توظيف جيد لمصادر القوة الناعمة من تجارة، وثقافة، وفنون، حتى إن الدراما التركية قد غزت كل بيوت العالم العربي. ومع ذلك، فهناك معوقات تُحد من تطلعات الدور التركي، منها أنها دولة تعلي من مصالحها الوطنية، كما أنها وريثة تركيا العثمانية، ولا تزال شعوب المنطقة تستشعر ويلاتها»، وفي خصوص العلاقات بينها ومصر اعتبر الكاتب مع الأسباب «الدور التركي أكثر تعاونًا مع مصر، نظرًا لتوحد المذهب، وتشابه نظام الحكم، وتوحد موقفهما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والأزمة السورية». أما إيران، كتب الباحث عنها بأنها: «تسعى لنشر نفوذها ومذهبها الشيعي في المنطقة العربية، استنادًا إلى قوة أيديولوجية، واقتصادية، وعسكرية، فضلًا عن مناوأتها للاستراتيجية الأمريكية، وعدائها لإسرائيل، لكن يحد من الدور الإيراني العقوبات الغربية الرامية لمحاصرتها ومنعها من الوصول إلى أعتاب النادي النووي الدولي، هذا فضلًا عن ازدواج مواقفها من ثورات الربيع العربي. فهي وإن كانت قد باركت الثورتين في تونس ومصر، والمطالب الشعبية في البحرين، فإنها عارضت الثورة في سوريا، بل عملت على تدعيم نظام بشار الأسد، حليفها الرئيسي في المنطقة، على نحو أثبت أن المصالح لا المبادئ هي التي تحكم السياسة الإيرانية. كما أن الصبغة المذهبية الشيعية للدور الإيراني تؤثر في فرص قبوله في المنطقة ذات الأغلبية السنية. ولذلك كله، يبدو أن الصراع لا التعاون ربما يكون هو السمة التي تحكم العلاقة بين القاهرة وطهران، في ظل تعويل الدول العربية على مصر والسعودية في مواجهة المد الشيعي، وربما هذا ما يفسر حالة التحفظ الشديد على عودة العلاقات المصرية- الإيرانية من قبل بعض الدول العربية، لكن ربما تكون عودة هذه العلاقات، في وقت لاحق، بداية جادة لتقليل أوجه التعارض في المصالح، وربما تنجح مصر حينها في تقريب وجهات النظر بين الدول الخليجية وإيران». لم ينظر الباحث استرتيجيًا واستشرافيًا للتحولات والتغيرات التي حصلت بعد ما ثبته في موضوعه. ويمكن اعتبار رؤيته محصورة في زمنها وطبيعة النظام السياسي الحاكم حينها، وكذلك ما حصل في تركيا وغيرها، ولكنه في تحليله انتبه الى امور عامة في الادوار والمشاريع الاقليمية. وهو ما رآه مثلًا في الادوار المتنامية، وما يمكن الاستفادة منه في التحليل والنقد الموضوعي له، وفهم طبيعة التعارضات والتناقضات في كل ما يلزم الوصول اليه. فرأى أن هناك صعودًا متناميًا لدور دول الخليج العربي و«في مقدمتها السعودية وقطر، بسبب الوفورات المالية، والرغبة في ممارسة دور إقليمي مميز، والمبدأ الحاكم لهذه الدول في علاقاتها بمصر يسوده التعاون، وربما التنافس، لكن لا يسوده الصراع، هذا فضلًا عن الدور الإثيوبي المتصاعد، في ظل تجدد الخلاف حول مشكلة المياه في حوض النيل»، ولعل اشارته الى الدور الاثيوبي تثير الانتباه الى دور الاقاليم الافريقية الصاعدة وتنافسها مع العالم العربي، وهي اشارة مهمة للبحث والاستقصاء والاهتمام بها في اطار استراتيجي. ولا يمكن للباحث ان يتجاهل دور الكيان الإسرائيلي، فذكر انه ظل يحافظ على دوره باعتباره قوة إقليمية ذات مستويات تسليحية عالية، مرتبط بعلاقات تحالف استراتيجي مع الولاياتالمتحدة، ومع ذلك فيتخوف من تحول القوى الحاكمة في مصر عنه، أو تكون ذات توجهات عدائية، بما يضر بمصالحه الاستراتيجية. لكن العلاقة ربما تكون قابلة للتوتر، فيظل تزايد المطالب الشعبية في مصر بضرورة مراجعة معاهدة كامب ديفيد، وتعديل الجزء الخاص بانتشار القوات المسلحة في سيناء، أو في حالة نشوء صراع مسلح مع دولة عربية، تكون إسرائيل طرفًا فيه. وحتى اللحظة، هي تراقب الأوضاع الإقليمية، وتدرسها بعناية، ولا تزال تتحسب لكل التطورات(2). لخص الباحث استراتيجيات ومشاريع دول الاقليم الجيو استراتيجية، المؤثرة على/ في العالم العربي، ولكن لا بد من ملاحظة فروق واضحة لسمات الوضع والتركيبة الاجتماعية والدينية والقومية في المشرق العربي وتميزه في كل بلد من البلدان العربية. والحذر من الاوصاف العاطفية لكل وحدة اقليمية لا تتوافق والبحث السياسي العلمي. رغم ان الباحث في وصفه لدول الاقليم وأدوارها انطلق من موقف ايديولوجي مختلف عن سابقه، في تقسيمه للقوى الإقليمية وخطورتها وتحالفاتها الاخرى. وبيّن جوانب التنافس وكوابحه، كما انه لم يسند رؤيته بإثباتات علمية تعطي لوصفها متانة الموقف والحجة لأقواله، كما لم ينتبه الى انفراد الدول المتنامية ومحاولاتها دون مشروع جامع لها ولدورها الفاعل كما هي المشاريع الاخرى. وبقي ما قدمه الباحث كافتتاحية لمجلة فصلية ومهمة أكاديميًا وتصدر عن مركز ابحاث له ما يؤشر عليه. ولهذا اخذ بنظر الاعتبار رغم كل ما عليه وما كشفته تغيرات ووقائع الحال. ولو نظرنا الى كاتب آخر من العراق، وكما هو معروف يمكن تعميم ما يتعلق بالعراق بما هو عليه الحال في المشرق العربي، الذي هو جزء اساسي فيه. لوجدنا ما ذكرناه معبرًا عنه في كتاباته عن القوى الاقليمية. فكتب في موضوعه: «تنشط كل من إيرانوتركيا كلاعبين إقليميين صاعدين في المنطقة، ومن الطبيعي أن يتنافس كل منهما في عرض خدماته لملء الفراغ في العراق، ولم تكن كل من إيرانوتركيا لتجرؤ أو حتى تحلم بكل هذا النفوذ في المنطقة العربية لو أن العراق بقوته ويقوم بوظيفته التاريخية. إن التنافس الإيراني التركي ليس بالضرورة يسير باتجاه التصادم بل قد يسير نحو التفاهم وتقاسم النفوذ عبر صفقة إقليمية تشرف عليها تركيا بتفويض أمريكي، كنتيجة مباشرة لضعف العرب وغياب أي مشروع لديهم في العراق»(3). وهذا رأي غالب عند كثير من الباحثين قبل التطورات الأخيرة خاصة حول الاوضاع في سوريا، وقد بينت المتغيرات بعضًا من وقائع واستنتاجات ما درس وما وضع له من مشاريع أبعد بكثير من حدوده. بينما أعاد كاتب من امريكا في مجلة شؤون خارجية، (Foreignaffairs) تنافس الاستراتيجيات بين تركياوإيران الى تاريخ قديم، الى القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، بين الدولتين الصفوية في ايران والإمبراطورية العثمانية في تركيا واستمراره. وذكر ان مثل هذا الصراع ظهر بوضوح خلال صيف عام 2011 في الموقف من الوضع في سوريا، ونصب الدرع الصاروخية، والعلمانية، وفلسطين، والعراق والقضية الكردية. كما كثفت برأيه الضغوط لمزيد من الديمقراطية في الشرق الأوسط من روح التنافس بين تركياوإيران بشكل أكثر صراحة ودفعت كل منهما لتوسيع نفوذها على حساب الآخر(4). هذه الآراء في استراتيجية صراع مشاريع الدول الاقليمية تعكس الاختلافات والتباينات في المفاهيم ومحاولات بحث عن تطبيقات لها في النظم والعلاقات السياسية والقانونية. ولا شك ان كل دولة تحاول ان تمارس استراتيجيتها وأوراق القوة لديها ازاء منافستها او الاقليم الموضوع. وتستخدم وسائل متعددة في الوصول الى ما تستهدفه منه، بما فيها الوسائل التي تنتقدها عند متنافستها، او تنسخ منها ما يلائم استراتيجيتها. ولكن اعطت الآراء المختلفة صورة عن تنافس وتناقضات وصراع دول الاقليم فيما بينها وحول المنطقة. فثمة اسباب لا يمكن تجاوزها تحدد لنا طبيعة الصراع او التنافس بينها. وأهمها الموقف من تطورات وتغيرات حصلت في المنطقة، وكذلك ما هو معروف من مواقف مثل الكيان الإسرائيلي والقواعد العسكرية والتدخلات الامنية والسياسية في الشؤون الداخلية، في مسائل تتعلق في صميم بناء الدولة وسيادتها واستقلالها الوطنيين. وهنا تكون التحديات التي تجابهها باعثًا مباشرًا لها وموضوع اكتشاف لقدراتها ولسياساتها في البحث عن دور لها. ومنها القضايا موضوع النزاع والصراع الداخلي والمشترك، كالقضية الكردية او الهويات القومانية في بلدان المشرق العربي، والمواقف من حركات الاسلام السياسي والطائفية والعلمانية، والعلاقات مع الغرب والأحلاف العسكرية وغيرها من المسائل الاستراتيجية الحيوية. كاتب صحفي وباحث في التاريخ السياسي