ارتفعت أسعار النفط الى معدلات قياسية هذا العام دون سماع احتجاجات قوية من الدول الصناعية الغربية، مما جعل من ذلك مؤشرا تاريخيا هاما شهدته الصناعة النفطية خلال عام 2004، وسبب ذلك يعود الى ان ارتفاع الاسعار كان بدافع زيادة الطلب العالمي المذهل، وبالذات من الصين، وليس الى أي نقص متعمد في الامدادات. كما شهدت السوق النفطية مؤشرا آخر هذا العام وهو احتلال الصين للمركز الثاني في استهلاك النفط، بعد الولاياتالمتحدة وقبل اليابان، جراء الحجم الضخم للاستثمارات الاجنبية التي بدأت تنطلق في الصين. الشئ الذي انعكس وبشكل مباشرعلى زيادة أسعار النفط الخام عالميا. حيث يقول الدكتور وليد خدوري الخبير النفطي ورئيس تحرير مجلة ميس الصادرة في قبرص في احدى مقالاته أن الصين انتجت في النصف الاول من عام 2004 حوالي 2.4 مليون برميل من النفط الخام كما بلغ صافي استيرادها من النفط الخام والمنتجات البترولية حوالي 3 ملايين برميل يوميا، وبذلك يصبح مجمل الطلب على الصين في الاشهر الستة الاولى من هذا العام 5.4 مليون برميل يوميا، وهي بهذا تفوقت على اليابان التي استقر استهلاكها لسنوات طويلة على معدل 5 ملايين برميل يوميا وكانت تحتل طوال الفترة الماضية ثاني اكبر دول مستهلكة للنفط في العالم بعد الولاياتالمتحدة التي تستهلك ربع الطلب العالمي، أي حوالي 20 مليون برميل يوميا. ويشير الكتور خدوري الى ان السبب وراء هذه الظاهرة المهمة هو ارتفاع حجم الاستثمارات والنشاط الصناعي في الصين طوال السنوات الماضية، ورغم ان الفحم، المتوفر بكثرة في الصين، يشكل مصدر الطاقة الرئيسي، وبالذات في توليد الكهرباء، الا ان مجال التوسع في استعمال الفحم محدود بالطاقة الاستيعابية لمحطات الكهرباء من ناحية وعدد هذه المحطات والفترة الزمنية المستحقة لتشييد محطات جديدة من ناحية اخرى، وللاستعمال المتزايد لوسائل النقل والتشييد الواسع لمصانع البتروكيماويات، وكلاهما يحتاجان النفط ومشتقاته اكثر من أي مصدر طاقة آخر. وبالفعل، نجد ان معدلات زيادة استهلاك النفط قد ارتفعت بشكل مذهل في الفترة الاخيرة، ففي عام 2003 ارتفع استهلاك المشتقات النفطية بحدود 12% و خلال النصف الاول من هذا العام بحوالي 14%، وهذه ارقام قياسية لا نشاهدها في أي منطقة اخرى في العالم، بالذات اذا ما تمت مقارنتها بمعدلات الزيادة في اوروبا والتي هي اقل من 1% أو الولاياتالمتحدة التي هي بحدود 2.5%. ويشير الدكتور خدوري في مقالته الى ان السبب الاساسي وراء هذه الزيادة المذهلة في استهلاك النفط هو ارتفاع عدد السكان من ناحية و لكن الاهم من ذلك هو قرار الصين فتح المجال امام الاستثمارات الاجنبية. فمنذ 15 عاما، والاستثمارت الاجنبية في تدفق مستمر، ففي شهر يونيو الماضي، على سبيل المثال، يقول الدكتور خدوري وصل مجموع الاستثمار الاجنبي 8 مليارات دولار، أو زيادة 14% عن نفس الشهر من العام الماضي، وفي هذا الشهر بالذات، وعلى سبيل المثال ايضا، تعاقدت شركة جنرال موتورز الامريكية على استثمار 3 مليارات دولار من اجل مضاعفة انتاجها للسيارات في الصين ليصل الى 1.3 مليون سيارة بحلول عام ،2007 كما ان شركة فولكسفاجن الالمانية قررت في نفس الشهر ان تستثمر 900 مليون دولار لتشييد مصنعين لمحركات السيارات ومصنع جديد لانتاج السيارات. وتشير المعلومات المتوفرة ان شركات السيارات العالمية تنوي انتاج حوالي 600 مليون سيارة وحافلة في الصين خلال النصف الثاني من هذا العقد. وفي مجال البتروكيماويات، على سبيل المثال، والذي هو عماد الصادرات الصينية للمواد النهائية، ارتفع انتاج الصين من مادة الاثيلين من حوالي مليون طن سنويا في عام 1980 الى حوالي 6 ملايين طن في عام ،2003 ومن اجل انتاج الاثيلين، تحتاج الصناعة الى لقيم النافثا. وخير دليل على ضخامة الاستثمارت في الصين، نجد انه في النصف الاول من هذا العام، بلغت قيمة الاستثمارت الاجنبية 34 مليار دولار، أو زيادة مقدارها 12% عن النصف الاول من عام ،2003 والكلام هنا عن اتفاقيات نهائية تحت التنفيذ، وليس وعودا خلابة لا تنفذ. لقد دفعت هذه المؤشرات القياسية الحكومة الصينية الى اتخاذ عدة اجراءات من اجل ملافاة هذا الوضع الاقتصادي والطاقوي الجديد، وبالذات لأنه قد اصبح من الواضح، وعلى ضوء الابحاث والاستكشافات الجارية، ان البلاد لا يتواجد فيها احتياطيات كافية من النفط والغاز تستطيع ان تلبي الاحتياجات المستقبلية المتزايدة. ويدعو الدكتور خدوري في نهاية مقالته الدول العربية لاستثمار مصالحها مع الصين بقوله : لقد أصبح من الواضح ان المصلحة العربية النفطية الملحة هي دفع المصالح الاقتصادية مع الصين الى اوسع مجالاتها، والسبب بسيط، فالصين مهيأة لاستيعاب نفوط جديدة والدول العربية هي الاقرب لها لتزويدها بهذه النفوط وبالذات ان النفوط في آسيا قد بدأت بالنضوب وتلك في روسيا باهظة الثمن ولن تكون كافية لتزويد الصين بكل ما تحتاجه من طاقة.