قصار القامة يعانون رفض المجتمع لهم وسخريته منهم وعدم مراعاة أطوالهم في التصميمات الحياتية المختلفة اعتادت الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام على إعطاء اهتمام كبير لوضع الاقليات داخل المجتمع والتركيز على معاناتهم والمطالبة بحلول ناجعة له غير أن أقلية من البشر لا تزال تعاني الإهمال وتجاهل المجتمع المحيط بها بحيث تصل الأمور أحيانا الى حد السخرية والتهكم منها ورفض دمجها داخل المجتمع. وتجمع 30 شخصا من الأقزام في فيينا مؤخرا ليشكلوا اتحادا خاصا بهم في محاولة لتسليط الضوء على مشاكلهم ووضع حد للإجحاف الذي لحق بهم طوال سنين طويلة بحقوقهم و مساعدتهم في الحصول على فرص عمل مناسبة وبما يسمح بالخدمة والاندماج في المجتمع، وأكد هؤلاء في مقر الاتحاد الجديد في العاصمة النمساوية بأنهم لا يشعرون بالعجز والإعاقة ويرغبون في اعطائهم فرصة للعمل والدخول في المجتمع ويشيرون الى ان النظرة الدونية لهم من قبل باقي الناس تحد من نشاطهم وتجعلهم أشبه بالمعاقين، وقالوا: إنهم لا يشعرون بحرج من قصر قاماتهم فهم اعتادوا على هذا الحال منذ ولادتهم وتعايشوا معه. لكنهم يطالبون بإجراء بعض التعديلات على القوانين المحلية في النمسا وخارجها وبما يسمح لقصار القامة بالمساهمة في بناء المجتمع. واورد رئيس النادي ويدعى فرانز زاتلاش مثالا على المصاعب التي تعترض الاقزام وقال في هذا الصدد بان الكرسي على سبيل المثال صنع وفقا للمقاييس العادية للبشر حيث يجد القزم الذي يقل طوله عن 130 سنتمترا صعوبة في الجلوس على هذا الكرسي والتمتع بالراحة فهو لا يسع الاتكاء الى الخلف فضلا عن كون قدميه لا تطأ الارض وتظل معلقة في الهواء. وفي المطبخ تبرز مشكلة اخرى فطاولات اعداد الطعام لا يقل ارتفاعها عن 70 سنتمترا وهذا يعني ان على القزم ان يستعين بسلم للتسلق لتكون يديه قادرة على العمل فوق الطاولة، واثناء التسوق يعاني الاقزام مشكلة اخرى حيث لا يتمكنون من الوصول الى الرفوف العالية للحصول على السلع التي يرغبون في شرائها. ولا يقتصر الامر على ذلك حيث تبرز امامهم مشكلة اخرى عند دفع قوائم مشترياتهم فكثير من الناس خاصة في حالات الزحام لا يشعرون بوجودهم ويزيحونهم عن الصف المخصص للدفع بل يدفعهم البعض احيانا الى الخلف للاستيلاء على اماكنهم ولا تقتصر معاناة هؤلاء على الامثلة اعلاه فكل ما يحيط بهم خصص بشكل اساسي للبشر من ذوي القامات العادية والطويلة فحتى الوصول الى صندوق البريد و فتحه يحتاج الى معين، وقالت سيدة تعيش مع احد الاقزام انها لاحظت ان الامر انسحب على الاطباء فهم لا يعاملون مرضاهم من قصار القامة بما يستحقونه من لطف وعناية خاصة. واشارت في هذا الصدد الى انه اثناء الفحص الطبي لشاب قزم بدأ الطبيب يسمع مريضه القزم عبارات جارحة فهو يصف صدره بصدر الدجاجة ويقارن نمو جسده بالحيوانات الصغيرة الاليفة الامر الذي يترك اثارا نفسية يحتاج القزم الى فترة طويلة للتغلب عليه ويسعى الباحثون في عدة دول أوروبية وبينها النمسا الى وضع قواعد للتعامل مع الاقزام بعيدا عن إهانتهم والتقليل من شانهم بحيث لا يطلق عليهم على سبيل المثال "الاقزام" بل قصار القامة، كما تبرز ضرورة التخلي عن الأحكام المسبقة والتي تربط بين عدم النضوج والغباء والعجز والضعف بقصر القامة. ولا يعتبر قصار القامة انهم يشكلون عرقا بشريا خاصا فهم منتشرون في كل أنحاء العالم وحسبما جاء في دراسات عرضت خلال ثلاثة مؤتمرات دولية كرست لبحث مشكلة هذا النوع من البشر وعقدت في واشنطن عام 1982 وفي سيدني عام 1988 وفي كولونيا عام 1994، وطبقا للدراسات والبحوث العلمية والطبية فان قصار القامة جميعهم يعانون من مشكلة في النمو لها اسباب تختلف من شخص الى اخر. واعتاد الناس على تحديد 165 سنتمترا حتى 185 سنتمترا كمتوسط للطول اما من تجاوز هذا الرقم فيصبح عملاقا ومن تخلف ظل قزما فالقوة والمقدرة والجمال تربط عادة بطول القامة وبالتالي فان قصر القامة يظل سلبيا في حين يرتبط طول القامة بالامور الايجابية بشكل عامالتالي فان المظاهر الخارجية هي التي تلعب دورا رئيسيا في تقييم البشر بعضهم لبعض. وحتى في الرياضة فان الاطفال يتعلمون بسرعة العلاقة بين الطول والقدرة على ممارسة الالعاب الرياضية فقصار القامة يتركون في الصفوف الخلفية بسبب الاعتقاد انهم غير قادرين على التفوق في المجالات الرياضية مقارنة بزملائهم الذين هم اكثر طولا منه. وقال احد الشباب الاقزام - ويدعى هوبيرت - انه تعرض لاحراج شديد اثناء مخيم كشفي عندما تم تصنيف المشاركين طبقا لطولهم وليس لاعمارهم حيث وجد نفسه في النهاية بين شلة من الاطفال الصغار لايجمعه معهم سوى الطول. كما روت ام نمساوية قصيرة القامة معاناتها المتمثلة في الاسئلة المحرجة التي ظلت تلاحقها عند مرافقتها لولدها الصغير الى المدرسة حيث يكرر زملاء ولدها في المدرسة نفس السؤال عليها لماذا انت قصيرة جدا وولدك اطول قامة منك مما اضطرها الى الاحجام عن الذهاب الى ارسة بصحبة ولدها في محاولة منها لتلافي هذا الاحراج والضغط النفسي الذي يتعرض له ولدها بسبب قصر قامة والدته. وقال شاب تركي يبلغ من العمر 22 عاما ويدعى مهمت انه يعاني مشكلتين الاولى قصر قامته والثانية دخوله النمسا بطريقة غير شرعية. واوضح انه كان قبل سنوات من بين مجموعة من المتسللين الى النمسا حيث القي القبض على اقرانه في حين انقذه قصر قامته للدخول الى النمسا دون ان يشعر به رجال الامن على الحدود غير ان تدخل المنظمات الانسانية في وقت لاحق حال دون ابعاده من البلاد بعد اكتشاف امره، وذكر انه انضم الى اتحاد الاقزام في فيينا حيث شعر بانه بين اهله فكافة الاعضاء يجمعهم قاسم واحد مشترك بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية. وحول خططه للمستقبل قال هذا الشاب التركي انه تمكن من اجادة اللغة الالمانية ويواصل تعليمه باللغة الانكليزية ويأمل بالاقتران مع سيدة تركية اهم شرط فيها ان تكون طويلة القامة لتحسين نسله في المستقبل حتى لا يتعرض اطفاله وحسبما يقول الى نفس المعاناة التي وجدها في حياته. وكانت امنية هذا القزم التركي التي نقلها في ختام حديثه هي عقد مؤتمر موسع للاقزام من كافة انحاء العالم لتسليط الضوء على طبيعة مشاكل وامنيات هذه الشريحة من البشر.