بمَ تشعر حين ترتفع السماء وتعلو بعيداً، وتستطيل الأبنية وتتسع الفضاءات وتظل كل الأشياء على ضخامتها، وأنت مقيد داخل حدود جسد صغير لا يتغيّر، وأعضاء خارجية لا تنمو؟ بم تشعر حين تحيا في جسد مختلف عن أجساد الآخرين وتعيش داخل مجتمع كل ما فيه يتحدى قامتك القصيرة وأحلامك الكبيرة؟ والسؤال الأهم: بم تشعر وأنت في فضاء معماري لم يخصص لك أو لمتطلباتك، وفضاء فيزيائي لا يتجانس وطبيعة المقومات التي تشكل شخصيتك وروحك. أسئلة عالقة طرحها القائمون على مهرجان «قصيرو القامة» الذي ينظم للمرة الأولى في مصر، ويُظهر جزءاً من معاناة يكابدها يومياً أشخاص لا يتعدى طولهم 130 سنتيمتراً، ينعتهم الناس عموماً بقصيري القامة أو الأقزام، وبنعوت أخرى أكثر غلظة وقسوة. أظهر فنانون قصيرو القامة، شاركوا في المهرجان، إبداعات أبهرت الحضور، ما بيّن تفرد هذه الفئة بامتلاكها قدرات ذهنية هائلة وخصائص نفسية إبداعية فريدة، وفرت لهم فضاءات تخيلية ورؤى إبداعية جعلتهم يختلفون كثيراً عن الآخرين «العاديين». وضم برنامج المهرجان فقرات مسرحية وألعاباً وحكايات وأهازيج وغناء وإلقاء الشعر. وأظهر الجمهور إعجابه بالفقرة الأخيرة التي ألقاها أحد المشاركين معبراً فيها عن خلجاته وأحاسيسه ومشكلاته بطرق وأساليب تعبيرية غير معتادة. كما عرض فيلم «كي لا يبقوا في عزلتهم» للمخرجة هلا مراد، وهو أول عمل يناقش قضايا قصيري القامة في مصر وسورية والسودان والأردن ومعاناتهم والمهن التي يعملون ولا يعملون بها وفنونهم وثقافاتهم. وشهد المهرجان تقديم لوحات استعراضية ورياضية (جمباز إيقاعي) قدمها أطفال من قصيري القامة. ويقول رئيس مجلس إدارة «جمعية الأقزام» في الإسكندرية عصام شحاتة أحد منظمي المهرجان: «يعاني قصيرو القامة من التهميش، فلا يوجد منظمة تهتم بنا ولا مادة في الدستور تطالب بحقوقنا، والكارثة الكبرى عدم الاعتراف بنا في التأهيل المهني، فهم ينظرون إلى القزم على أنه غير معوق ولا تجوز تطبيق نسبة ال 5 في المئة عليه عند التعيين في الحكومة، ونحن في ذلك لا نختلف عن أمثالنا من قصيري القامة في بقية الدول العربية، فنحن في مصر حوالى 70000 قزم، منهم 1500 في الإسكندرية وحدها». وتلفت مها (من قصيرات القامة ولها ابنة من الأسوياء) إلى أن المعاناة الحقيقية تكمن في التحرك داخل فضاءات صممت أساساً لذوي القامات العالية أو المتوسطة، «ما يفرض على المصاب بقصر القامة، بذل مجهود كبير للتعايش مع هذا الفضاء المعماري وتحدياته». وتضيف: «هذا المجهود تكون له مضاعفات على صحة قصيري القامة كأوجاع في الظهر، آلام في العضلات، وتشوّه في العمود الفقري». ويقول نبيل زوج مها إن «الأسوياء يمارسون سلوكيات تمييزية على بني جنسنا، تأخذ شكل عنف لغوي وبصري وإقصائي، ما يكون له تأثير سلبي على نفسيات قصيري القامة». وعن أغرب المواقف التي تعرض لها يروي نبيل: «كنا في نزهة مع العائلة وعندما ركبت الباص، لم أجد مقعداً شاغراً للجلوس، فقالت لي سيدة مسنة أنه في استطاعتي الجلوس على فخذيها، ولكن حين نظرت إليّ ورأت شاربيّ اعتذرت مني». ويطالب شحاتة بدمج قصيري القامة في المجتمع، لافتاً أن «جمعية الأقزام» أنشأت موقعاً إلكترونياً وصفحة على «فايسبوك» للأقزام العرب. وتسعى الجمعية إلى إنشاء أول اتحاد عربي للأقزام وسيكون مقره القاهرة، فيما ستكون أولى نشاطاته تنظيم حفلة زفاف جماعية.