كثيرا ما تسمع هذه الإجابة (عايش) حين تسأل صديقا عن صحته وعن أحواله الأخرى، بل هي تكاد تكون عامة، أي أنك تسمعها من الجميع، على اختلاف قرابتهم الاجتماعي والمعرفي. المفهوم في اللغة هو الذي يحمل معنى تراكميا.. أما في اللهجة الشعبية فقد تقوم المفردة اللغوية الواحدة بحمل هذا التراكم بشعور عفوي من الجميع يخلقه التكرار. مفردة (عايش) تحولت إلى رمز شعبي يشير إلى جدب اجتماعي، أو فقر فردي في المتعة بالحياة، ذلك لأن كلمة عايش غير كلمة حي، فقد تكون مستمرا في العيش ولكنك لا تتمتع بالحياة. الحياة عناق حار بين الانسان وبين من حوله وما حوله: إنها شعور الألفة والترابط والتناغم والبهجة.. والأنس بين الذات والطبيعة. والحياة، مرة أخرى، توفر شروط عديدة لكي يبقى الشعور بها نقيا متدفقا وحارا، وحين تفتقد تلك الشروط لا تصبح حياة، بل تصبح عيشا مجردا من الأنسنة، تصبح استمرار حجريا لا حياة فيه.==1== يومي بأيام لكثرة ما مشت==0== ==0==فيه الحياة وليلتي بليالي==2== هكذا يقول شوقي على لسان كليوبترا. وهو قول معبر.. ذلك لأن الأيام لا تقاس بالعدد بالنسبة للإنسان، بل تقاس بكثرة جريان الحياة فيها. هل نلتمس عذرا للمثقفين الذين ينعقون مع كل ناعق، ويحملون أقلامهم الى السوق السياسية لبيعها هناك بحجة أن المجتمع غارق في انحرافه، والبؤس والجهل؟ لا أظن ذلك. إن المثقف الذي يقوم بهذا الفعل. يقوم ببيع سيفه الاجتماعي ووعيه لا يصبح مثقفا. إنه مات منذ اللحظة التي تقلد فيها سيفا غير سيفه الاجتماعي. إن جعيط ومثاله، وهم كثر، انفصلوا عن قطار مجتمعهم، نزلوا في أول محطة كان فيها كل شيء رخيصا، لا يحتاج فيها الفرد لدفع السهر والأرق والحرمان ثمنا لما يريد شراءه. لا أريد هذا أن أكون هاجيا للمثقفين، ولا مادحا للمجتمع، ذلك لأن مجتمعاتنا، مثل سائر مجتمعات البشر، لا تزال في طفولتها الثقافية ،ولكنها ليست متوقفة عن النمو، أو سائرة إلى محطة العقم. هل توافقني؟ سأظن فيك خيرا.