محمد زينو شومان شاعر لبناني ينتمي حسب التقسيم العقدي المتبع إلى جيل السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن المنصرم ، وهو جغرافيا ينتمي إلى الجنوب اللبناني و عمريا إلى جيل الشعراء اللبنانيين الذين عرفوا فيما بعد بشعراء الجنوب ونذكر منهم شوقي بزيع ومحمد علي شمس الدين وجودت فخر الدين ومحمد العبدالله. له ثماني مجموعات شعرية. الأولى صدرت سنة 1978 تحت عنوان ( عائد إليك يا بيروت). أما الأخيرة فصدرت سنة 2002 بعنوان ( مراوغات الفتى الهامشي) عن دار رشاد برس في بيروت. بين هاتين المجموعتين أصدر ست مجموعات أخرى ( مواعيد الشعر والجمر-1984) و ( الهجرة إلى وجعي القديم- 1992) و ( قمر التراب- 1992) و( طقوس الرغبة- 1995) و ( أغمضت عشقي لأرى- 1995) و ( أهبط هذا الكون غريبا - 1999) . وعلى الرغم من هذا العدد الكبير نسبيا من الأعمال الشعرية إلا أن حضوره الإعلامي كشاعر يبدو ضعيفا وضئيلا إذا ما قورن بشعراء آخرين ينتمون إلى الجيل نفسه. التقيت به على هامش مهرجان "حمص" الشعري في الصيف الماضي وشدني إليه قبل أن أسمع أو أقرأ شعره.. هدوؤه وتواضعه وخفوت نبرته وقلة ادعائه وكان لي معه هذا الحوار الذي يدور حول مسائل الشعر والكتابة والإبداع. @ رغم أنك قد نشرت حتى الآن ثماني مجموعات شعرية إلا أن اسمك غير مطروح بوفرة مثل بعض الأسماء من أبناء جيلك .. ما الأسباب؟ * الأسباب مرتبطة بعدة عوامل ويكفي أن نقتصر تلافيا للإسهاب على النقاط المحددة التالية: العامل الأول ولعله الأكثر تأثيرا وهو أنني منذ مقتبل التجربة اضطررت بتأثير من واقعي المادي إلى السفر طلبا لتأمين مصدر الرزق ولقمة العيش. ذلك في بدايات الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان وتحديدا منذ العام 1976 حيث سافرت إلى إحدى دول الخليج حيث عملت هناك فترة طويلة انتهت في نهاية العام 1989. هذا الابتعاد عن لبنان والتجربة في بداياتها لا شك في أنه أقصاني عن وسط الشعراء. بالإضافة إلى الابتعاد عن الإعلام طوال فترة السفر. على أن هذا البعد لم يمنعني بطبيعة الحال من مواصلة الكتابة والبقاء في وسط الإعصار الشعري والمتابعة لما يجري على مستوى الكتابة الشعرية بشكل دقيق. العامل الآخر يتمثل في عدم وصول نتاجي الشعري إلى بقية الأقطار العربية لأن مجموعاتي الشعرية لم تصدر عن دور نشر ذات قدرة على التوزيع والانتشار. وربما كان هنالك عامل ذاتي آخر وهو استنكافي عن ارتياد المقاهي والسعي وراء الإعلام المكتوب أو المسموع أو المرئي والعكوف فقط على متابعة تجربتي والاهتمام والتمحيص لتطوير نصي الشعري على الرغم مما يستسهله بعض الراكضين أو اللاهثين وراء الشهرة لبلوغ الانتشار. @ هل حظيت تجربتك الشعرية باهتمام النقاد ومن هم أبرز من تعرضوا لها نقديا؟ * أعتقد أن تجربتي الشعرية لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل الدارسين أو المهتمين بشؤون النقد والإبداع علما بأن الساحة النقدية العربية تفتقد أساسا إلى النقاد المختصين خصوصا بعد غياب الرعيل الأول من النقاد العرب الذي كان يضع نصب عينيه الحركة الشعرية ساعيا بكل الجهد لمواكبة القصيدة العربية والاحتفاء بنتاجات الشعراء نقدا وتقعيدا الأمر الذي يسر للرواد الانتشار الكافي وما جعلهم ملء أسماع العرب وأبصارهم. أما الآن فأرى أن النقد غائب كليا مخليا الساحة لانطباعات وكتابات يتولاها عاملون في مجال الصحافة الثقافية وهؤلاء جلهم لا يتمتع بالزاد النقدي والمعرفي الكافي بالشعر والأنكى من ذلك أن بعض الكتابات تشبه التعليقات الصحافية السريعة والمبتسرة والتي غالبا ما تزجى بدافع إقامة علاقات ترتكز إلى اعتبارات نفعية ربما تختصر بقاعدة تبادل المصالح وذلك يشكل كارثة أدبية حقيقية تكاد تودي بالنقد وتهدم أسسه المعرفية والمنهجية وتجعل الشعر ضحية هذا التواطؤ المكشوف بين الشاعر والصحافة غير الجادة. @ من أسلافك من الشعراء. وما سلالتك الشعرية إذا جاز التعبير؟ * بعيدا عن التبجح وطمس الحقائق فإنني أعتبر أنه من المستحيل على أي شاعر أن ينطلق من فراغ وهنا ربما يكون هذا الكلام نقضا لما يحاول بعض المتنطعين بزعمهم أنهم يؤمنون بالقطيعة وأنهم أبناء أنفسهم وهذا غلو وادعاء وزعم يدحضه الواقع وتسفهه نصوص القائلين بمثل هذا الكلام أنفسهم. وعودا إلى ما أقوله فإنني لا أجد أية غضاضة في القول إنني ابن صريح الانتماء لثقافتي وبيئتي وأعتبر أن الكتابة هي مجال التلاقح دون أن يعني ذلك الدعوة إلى الاستنساخ أو اقتفاء الأثر بل القول بكل صراحة إن الشاعر الحقيقي هو من يستطيع أن يخلق لغته الخاصة بقدرته على تخطي الأسلاف بما يشرعه من نوافذ جديدة على فضاء الإبداع. @ من خلال المجموعة الأخيرة لاحظت التزامك بكتابة القصيدة المفعلة. ألا تعتقد أن قصيدة التفعيلة قد أنهكت فنيا وجماليا كما يقول البعض؟ * هذه في نظر إشكالية مطروحة ومشروعة وأعتقد أن تجاهل الأزمة لا يعتبر إلا تهربا بل تواطئا معلنا أو غير معلن وأنا أرى أن قدرة الشاعر تتجلى في استكشاف مناطق أو أقاليم غير مطروقة لا يستطيع برأيي إلا الشاعر الحقيقي سبرها أو بلوغها. وإذا أردنا أن نلخص الأزمة فإنني أرى أنها موجودة لدى الشاعر لا في الشعر بمعنى أن التفعيلة أو الوزن ليس هو العائق أمام الشاعر لارتياد آفاق جديدة بل هو الشاعر نفسه وهنا يبدأ التحايل هربا من المشكلة بإلقائها على الوزن مع اعتقادي أن الموسيقى أو ما يعرف بمصطلح الوزن هو من مقومات القصيدة وليس عنصرا خارجيا والأكثر من ذلك فأنا لست من أصحاب الفصل بين الشكل والمضمون أو بين المبنى والمعنى فالنص وحدة عضوية ويبقى النص المنجز هو المحك ومعيار الشاعرية أو بطلانها. @ هل تعتقد أنك وصلت إلى تشكيل صوتك الخاص بك من خلال تجربتك الشعرية الطويلة؟ * إن مثل هذا التقويم هو من اختصاص النقد حيث إن الشاعر يجد صعوبة أكيدة في إطلاق الأحكام المطبقة على تجربته. إلا أن ذاك لا يمنعني من القول إنني قد حددت ملامح خاصة أرى أنها تشكل علامة فارقة تشير إلى خصوصية تعبر عن تجربتي بعد حقبة ليست يسيرة من الحفر في مناجم اللغة والداخل لإيجاد نص ربما أدعي أنه لا يشبه أحدا وأضع تجربتي كشاهد منجز على ما أقول. طبعا إن الاختلاف قد يتحقق على غير مستوى ولكن ذلك مرتبط بشروط إنسانية ربما تشكل حياة الشاعر وسيرته الواقعية أساسا أو حقل تجربة لمثل هذا الاختلاف. والاختلاف من هذا المنظور هو الشرط الأساسي للتمييز بين تجربة هذا الشاعر أو ذاك على أن قلق الشاعر هو أحد هذه الشروط للتنقيب دائما عن مجالات جديدة للإبداع الفني. ويمكن إضافة شيء في هذا الخصوص وهو الانشداد إلى أماكن التشكل الأولى وربما كانت الطفولة أحد هذه الحقول أو المنابع البعيدة التي أستقي منها خصوصا في مجموعتي الأخيرة (مراوغات الفتى الهامشي). @ هل لك موقف ما تجاه قصيدة النثر ؟ وهل ترى أن حضورها في المشهد الثقافي قد طغى على ما عداها من الأشكال الشعرية؟ * أقولها بصراحة مطلقة إنني لا أنطلق أبدا من موقف متعصب تجاه أي شكل إبداعي سواء القصيدة العربية المعروفة بنموذجيها العمودي أو التفعيلي ولا ما يعرف بقصيدة النثر. المعيار الحقيقي و الحاسم والنهائي هو معيارية الشعر لذا فإن أي كلام لا يعتمد إلا على شاهده أو سنده النظري إنما هو يبقى كلاما عائما ولا يزيد المشكلة إلا تعقيدا ومن هنا لا أجد أي مانع من ولوج كل الأساليب واكتشاف كل ما يمكن من الأشكال شريطة تحقيق المدهش وتجاوز المطروق والمألوف والمستهلك. @ تقول في آخر قصائد الديوان "لم أشأ هجرة الأرض إلا بهذا الكلام البسيط البسيط". هل هو ميل إلى التخفف من جماليات اللغة وبهرجة الأخيلة والصور؟ * يبقى هاجسي الحقيقي هو القبض على الخلاصات وربما توصلت بعد ما اعتمدته من تجريب عبر محطات تجربتي الشعرية إلى ما يشبه الرؤية الخاصة التي لا أضعها شرطا لاعتمادها وهي تقوم على عملية الغربلة والتمحيص والتدقيق والتقشف اللغوي بما يزيل الكثير من الكلام الفائض ويكتفي بالقليل القليل من اللمح الخاطف وقد تكون هذه نتائج مخاضات كثيرة ومواجهة فعلية مع اللغة كأداة للتواصل وميدان وحيد للتعبير أو لتجسيد التجربة والانفعالات والرؤى والقلق إلى ما يشبه اليقين وليس بيقين. فاللغة بظلالها وبإيحاءاتها لا بقاموسها الموروث أو بما تجود به الذاكرة التي تشكل التحدي الأكبر للشاعر حينما تفرض عليه أن يكون أسير المعاجم ومخلصا للموروث في حين أن الحقيقة الشعرية تكمن في فعل الخيانة : خيانة اللغة عبر المراوغة حينا والتصادم الفعلي حينا آخر.