كعادته دائما، ومع كل كتاب جديد يصدره، أثار الدكتور عبد الله الغذامي، جدلا واسعا بعد ظهور كتابه الجديد(حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية) فقد حرك سواكن الواقع الثقافي وبسبب كتابه عادت الى فضاء الإعلام أصوات ظلت صامتة سنوات طويلة.وبدأت مشاهد الحراك الإيجابي تطرح تفاصيلها بشكل درامي منفعل على صفحات الصحف المحلية، وكأنها بالفعل حالة مسرحية تعرض على أكثر من خشبة في أكثر من مسرح في وقت واحد، لكن الفارق الجوهري بين هذه الحالة المسرحية وسواها، أنها لم تستفز الجمهور كما هو من المفترض في المسرح وإنما استفزت أبطالها وشخوصها بالدرجة الأولى، أقصد شخوص(حكاية الحداثة) التي كتبها الغذامي، واخرجها برؤية نقدية نقلت الأبطال الى صفوف المتفرجين ومع العرض الأول ل (حكاية الحداثة) بدأ الجميع يبحثون فيها عن أدوارهم فاكتشف بعضهم أنهم لم يكونوا سوى (كومبارس) داخل نسيج الحكاية واكتشف البعض الآخر أن السيناريو تجاوزا أحلامهم ولم يعد لهم فيه أدنى وجود وشعر آخرون أن الغذامي ارتكب خطيئة جديدة في حقهم عندما صاغ سيناريو الحكاية مهمشا أدوارهم وهكذا .. اصبح الغذامي كمن ألقى حجرا كبيرا في بركة لا حراك للماء فيها، فخلع الواقع الثقافي عباءة الصمت الطويل، واحتدمت النقاشات على صفحات الصحف واستعدنا بذلك الأسماء التي كانت تصارع النسيان، وهذه ميزة لو لم يقدم الكتاب سواها، لظل أهم من كتب كثيرة تصدر ولا تملك أدنى قدرة على استفزاز محرر ليكتب عنها ولو مجرد خبر صغير في مساحة هامشية من صحيفته، لكن الكتاب( الحكاية) جاء بما هو أهم، وحمل معه مبررات الجدل الذي يثيره، لذلك دفعنا في (اليوم الثقافي) لتناول الموضوع لكن من زاوية مختلفة. حكاية الحداثة لن ندافع هنا عن كتاب الغذامي ، ولن ننتصر لخصومه، وكذلك لن نعيد الكلام المكرور الذي استهلك من قبل ولكننا فقط، سندخل فضاء (الحكاية) من بوابة أخرى, هي بوابة المبدعين الشباب الذين لم يشاركوا فعلا في صنع تفاصيل الحكاية، ولم يكونوا أبطالا في مشاهدها المتعددة، ولكنهم بطبيعة التراكم الزمني والتسلسل التارخي امتداد لعنفوانها، لذلك توجهنا الى هؤلاء الشباب لنطرح عليهم أسئلة محددة: @ كيف تنظرون الآن الى تجربة الحداثة؟ @ كيف ترون تفاصيل (حكاية الحداثة) التي صاغها الغذامي؟ @ وهل أنتم بالفعل امتداد لذلك الحراك الحداثي؟ @ ثم هل كانت الحداثة تمجيدا للشعر وتهميشا للفنون الاخرى؟ لقد كان هذا السؤال الأخير موجعا بالنسبة لكتاب القصة والرواية على وجه الخصوص، فها هو القاص والروائي عبد الحفيظ الشمري يطلق على تجربة الحداثة وصف (الحداثة الشعرية) ويقول: كنا في البدايات ننظر الى هذا التشكل الوردي بمفهوم التحول نحو الجديد، فكنا نحمل نصوصنا وكتاباتنا وهواجسنا إلى هؤلاء الذين تصورنا أنهم يصوغون مفردة الخطاب الحداثي، فكانوا ينظرون لكل ما نكتب بحساسية ذلك الخطاب، وكان العمل القصصي في مقابل تلك النظرة لزاما عليه أن يكون محدثا، ومكتوبا بنزعة جديدة وكانت في ذلك الوقت التجربة القصصية متعاضدة في هذا السياق مع اتجاه الحداثة الا أن نقاد الحداثة ومشجعيها والمنادين لها ظلوا يقولبون مشهد الحداثة في تجربة الشعر وحدها, مما جعل الفن القصصي يأتي في الظل ليكون ثانويا عند الشعراء، وهامشيا عند النقاد, ويمكن أن نسترشد في هذا السياق بما كتبه نقاد الحداثة من أمثال: د. عبد الله الغذامي, د. عبد الله السريحي, د. سعد البازعي, د. عالي القرشي, د. جريدي المنصوري، د. عبد الله المعيقل والشاعر علي الدميني، ومنظرين آخرين، فهؤلاء استهوتهم (لعبة الحداثة الشعرية) ليهملوا عن قصد أو عن غير قصد حساسية الخطاب الإبداعي في القصة والرواية وربما من بين هؤلاء النقاد الذين تابعوا حركة المشهد الحداثي في المملكة لا نستطيع أن نخرج من قائمة التهميش هذه الا الدكتور عالي القرشي الذي تنبه لحداثة التجربة السردية وتناولها باهتمام في الوقت الذي ظل فيه الآخرون يراوحون بين القصيدة وتحولاتها. ويضيف عبد الحفيظ الشمري فيقول: مع أن الذين كانوا يفتحون نوافذ النشر في بدايات الحراك الحداثي، يؤمنون بأهمية تحديث الخطاب السردي كما هو في الشعر، وكانوا ينشرون ما يتوافق مع توجهاتهم الحداثية آنذاك, الا انهم استطاعوا ان يغيروا في مسار الكتابة السردية، فكل من يريد النشر من المبدعين الشباب كان عليه ان يتطور نصه وفق تلك المفاهيم، وبالتالي كان لهؤلاء دور في أن يكون الخطاب السردي موازيا في حداثته للخطاب الشعري ,واذكر من هؤلاء الذين كنا نتوجه إليهم بإنتاجنا في ذلك الوقت: محمد جبر الحربي, عبدالله الصيخان، صالح الأشقر، خديجة العمري، سعد الدوسري, وآخرين لكن رغم ذلك استطاعت الحركة النقدية المواكبة، أن تنحو بالسرد جانبا، لتكون الحداثة شعرية أكثر منها سردية. امتداد الحداثة أما القاص خالد الخضري, فلا يرى ان السرد كان مهمشا فتجربة الحداثة من الجانب النقدي, ولا حتى من الجانب الفني، لشكل القصة ومضمونها، حيث يقول الخضري: لم يكن هناك تهميش فعلي للسرد في تجربة رواد الحركة الحداثية في المملكة والتي بدأت خلال الثمانينات، ولكنها بدأت بالشعر بحكم ان الشعر أخذ النمط التجديدي من حيث الشكل والمضمون، فنلمس أن الحداثة كأيدولوجيا صبغ بها الشعر، وتناولها الشعراء السعوديون، وكذلك فيما يتعلق بنمط كتابة القصيدة التي اصبح من خلالها هناك اعتراف بشعر التفعيلة ومن بعده الاعتراف بحضور الشعر الحر الذي تعد قصيدة النثر جزءا منه، وعبر هذه الحركة التجديدية التي بدأت أولا بالشعر ثم تلاه السرد، برزت أسماء شعرية مهمة، اذكر منها: محمد العلي, ثريا العريض, سعد الحميدين، علي الدميني، محمد الثبيتي، وآخرين، فهذه الحركة، دعمتها حركة نقدية مواكبة لعطاءاتها التي تمكنت من أن تظهر على أكتاف الإبداع. واضاف الخضري قائلا: لذلك أنا اتفق كليا مع بعض الآراء التي تناولت كتاب الغذامي(حكاية الحداثة) والتي رأت أنه لولا الإبداع ما ظهرت فاعلية التجربة النقدية لدى الغذامي. وبالعودة مرة أخرى الى السرد، يقول خالد الخضري: هذه الحركة الحداثية التي كانت نشطة شعريا ثم نقديا ساهمت في نضج التجربة السردية، بعد أن مرت منعطفات متعددة شاهدنا فيها القصة القصيدة، أو القصيدة القصة، في الوقت الذي كان هناك فيه رفض لمسألة تداخل الأجناس الأدبية، وبعد الجيل الذي تلا جيل الحداثة، وهو الجيل الذي أنتمي إليه عاد كل رافد أدبي إلى شكله الطبيعي مع التطوير والتجديد، بدءاً من الاهتمام المبالغ فيه باللغة كمنطلق أول، وصولاً إلى إعطاء كل عنصر من العناصر السردية حقه، وما أود قوله في نهاية كلامي حول هذا الموضوع، هو أن التجربة السردية شهدت نقلة كبيرة، وتحولاً ملحوظاً، فكانت امتداداً طبيعياً لحركة الحداثة.. أدوات تقليدية ومن جانبها ترى القاصة فردوس أبو القاسم أن الحداثة عندما جاءت احتفت بالشعر، وكان كل التركيز عليه، فظلت القصة رغم فاعلية حركة الحداثة في بدايتها، وحتى بعد ذلك بسنوات.. ظلت كما هي بأدواتها التقليدية، ونمطها المعروف، ولم تتطور، أو لم تمر عليها دوافع التطوير التي طالت الشعر، فظهور حركة الحداثة، وتسليط الأضواء النقدية على الشعراء من دون غيرهم، شجع شعراء هذه المرحلة على الكتابة والإنتاج بغض النظر عن مسألة الجودة، لكن الأمر لم يظل هكذا، فعدوى الاحتفاء بالشعر انتقلت في مرحلة لاحقة إلى القصة، فبدأت طريقها إلى التطور والنضوج. وتضيف فردوس أبو القاسم فتقول: قد يكون هذا التحول في النظرة النقدية للقصة سبباً من أسباب التحول الكتابي عندي، فقد بدأت بكتابة القصة الطويلة نسبياً، لكني بعد ذلك اشتغلت في كتابتي على التكثيف، فكتبت القصة القصيرة جداً، والمسألة في تصوري ليست الحاجة إلى النقد لمجرد النقد، وإنما هي الحاجة إلى النقد البناء الهادف، وأذكر قبل فترة أنني أرسلت مجموعة من قصصي للناقد محمد العباس ليعطني رأياً نقدياً يفيدني، وبالفعل تجاوب معي، وقدم لي آراء مهمة استفدت منها فيما بعد، ومن هنا أشير إلى أن النقد في أهميته يتمثل فيما يمكن أن يضيفه للكاتب، ويدفعه للتطور، لا أن يدفعه للإحباط مثل ما قرأت مؤخراً أن أحد النقاد بدلاً من أن يتناول إحدى المجموعات القصصية، كتب يقول ان عدد صفحاتها كبير وهذا لا يشجع القارئ على قراءتها. مشروعية التجاهل ومع أن الآراء السابقة، تشير بصورة ما إلى نوع من التجاهل أو التهميش النقدي للخطاب السردي الذي واكب مرحلة التكوين الحداثي في المملكة، إلا أن الشعراء في آرائهم لم ينتابهم هذا الشعور، رغم أنهم أيضاً من الشباب، وربما لم ينصفهم النقد بالقدر الكافي، لكنهم ينظرون للعملية النقدية من وجهة مختلفة، وبقناعة تؤكد أن النقد الحقيقي ليس بالضرورة أن يكون مسلطاً على الأعمال الأدبية، وهذا هو الفارق الجوهري بين النقد الأدبي الذي تشغله النصوص، وبين النقد الثقافي الذي يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث التغلغل في فكر المجتمع ومقاربة تحولاته، وهنا يقول الشاعر محمد الهويمل من خلال قراءته كتاب الغذامي: لا أعي مدى مشروعية المحور الأول حول تجاهل الغذامي الجيل الحداثي، إذ أن الكتاب يبسط الشأن الحكائي لقصة وسيرة تأخذ طابعها الماضوي، فلأي شيء سيقحم الغذامي هذا الجيل الذي لن يكون إلا عبئاً على الهامش، والهامش ضامر في كتاب الغذامي، ثم انه من الصعوبة بمكان ترسيم حدود نوعية وزمنية تفصل جيلا عن آخر، فالمراحل متماهية في فعلها ونجوميتها، لاسيما أن المرحلة الحداثية الجديدة غير محددة المعالم من حيث شروط حضورها وقطبيتها. بهذا الكلام يرد شاعر من جيل الشباب، على آراء آخرين من نفس جيله المحوا إلى أن الغذامي لم يتجاهل فقط الجيل الذي ساهم في تشكيل الوعي الحداثي، وإنما تجاهل- أيضاً- الجيل الذي تلا ذلك باعتباره امتدادا لنفس الجيل الذي شهد بدايات الحركة الحداثية، بل يؤكد الشاعر محمد الهويمل أن الكتاب له انعكاسه على الأجيال التالية، حيث يقول الهويمل: للكتاب انعكاسه الموجب على مشهد ما بعد الحداثة، أو العهد الجديد للحداثة، فهو يدشن لتجربة ستكون أكثر وعياً وتماساً مع سؤال الثقافة، وملامسة النسق الجديد، بل أني أجزم أنه جاء مساوقاً لنهضة الكتابة السعودية، لاسيما السردية منها، وظهور أسماء سعودية لها طابع التميز على الصعيد العربي، وبحكم مناشطي كمتابع لمستجد الإصدارات فإني ألمس الولاء الذوقي للحداثة أعمق من ذي قبل وأصدق، بل إن الساحة الإبداعية ستخلو قريباً من النمطيين الذين باتوا يشعرون بالحرج والعيب إزاء هذا التبدل الطاغي والثورة التقنية الحداثية التي هي إفراز حتمي لتفوق المشروع، فالكتاب في نهاية الأمر بشارة تجربة كبرى تلامس الجوهر دون العناوين، وأخيراً يقول الشاعر محمد الهويمل: أنا أزف البشارة للثقافة السعودية، والمبدع السعودي، فكتاب الدكتور الغذامي هو صافرة البدء لعهد التفوق السعودي عربياً. امتداد غير طبيعي ربما بصورة مختلفة في التعبير، يتفق الشاعر يحيى الأميري مع الهويمل فيما ذهب إليه، لكنه يطرح مسألة المجايلة من منظور معاكس، فهو لا يرى أن الأجيال يمكن أن تتعاقب بالصورة الإبداعية، حيث يقول الأميري: نعم نحن امتداد لجيل الحداثة، لكنه امتداد غير طبيعي، بمعنى أننا امتداد بحكم الزمن لا بحكم تشابك الإبداع، فشعراء قصيدة النثر مثلاً- هم امتداد لحركة الحداثة، لكنهم ليسوا امتداداً لشعراء مرحلة الحداثة، ولو كانوا امتدادا لهم لكتبوا قصائدهم بشيء من مفاهيمهم السابقة، لكنهم لم يفعلوا ذلك، بل قدموا تجارب مغايرة تماما لذلك فالمبدعون الذين أتوا بعد المرحلة الزمنية لتشكيل جيل الحداثة بالمملكة، كانوا امتداداً للحراك الحداثي نفسه، ولا يمكن أن يكونوا امتدادا لمن واكبوا تلك المرحلة، واختلاف التجربة أبلغ الشواهد على ذلك، لذلك أرى أننا امتداد غير طبيعي. وحول ما يثار حول عدم إنصاف (حكاية الحداثة) وأنه تعمد إسقاط اسماء بعينها يقول الأميري: كان يفترض أن يكون الدكتور الغذامي منصفا، وقد كان كذلك، فالكتاب يوثق الحراك الثقافي، ويحاول أن يؤرشف لمرحلة ثقافية في بلد بأكمله، واعتقد أن أي تغير في هذا الجانب، سنجد أن الكتاب إما أنه أشار إليه، أو أنه توقعه، فهذا الكتاب يمثل مراجعة للمرحلة التي يتحرك فيها، أو يؤرخ لها، وهو بالتالي يطرح سلسلة من الأسئلة المشروعة ثقافيا بالدرجة الأولى، والذي يعلل شرعيتها الثقافية هو أن الكتاب بوصفه (حكاية الحداثة) يحيلك إلى ثقافة مجتمع لا إلى أسماء، خصوصا إذا كان الجانب التواصلي لهذه الأسماء مع الحداثة متعلقا بالمرحلة الأولى زمنيا، فشعراء مثل: علي الدميني، سعد الحميدين، محمد العلي، محمد جبر الحربي، عبد الله الصيخان، شهدوا بداية حراك المرحلة الأولى، لكن مسألة النسب بينهم وبين الذين أتوا من بعدهم تحتاج إلى مراجعة، وإذا نظرنا إلى شعراء قصيدة النثر فسنجد أن جيلها من الشعراء كان متواصلا مع المنجز العالمي لا المحلي، وهم هنا على تواصل مع الحراك الثقافي المتجاوز للأفق المحلي، والأسماء الموجودة في مشهده . وأخيراً يقول الشاعر يحيى الأميري: إذا كان هناك من يرى أن النقد غير مسلط على أعمالهم خصوصا من جيلنا، فأنا لا أرى ذلك عيبا، أو قصوراً في النقد وأعتقد أن العلة في التحولات التي شهدتها الساحة الثقافية هذه العلة هي التي جعلت النقد يتحول من الأفق الأدبي إلى الأفق الثقافي في الأشمل والأهم. قد يكون اختلاف الآراء وتباينها بين الشعراء وكتاب القصة أو الرواية من الشباب، يؤكد وجود فجوة في الوعي بما يتصل أو يتشابك مع العملية النقدية، فكتاب القصة أو الرواية يشعرون بقدر من عدم الإنصاف النقدي مفترضين أن وظيفة النقد هي المتابعة للأعمال الأدبية، وفي المقابل قد لا نجد نفس الشعور لدى الشعراء الشباب، ربما لأن النقد في مراحله السابقة كان أكثر ولاء للشعر، أو قد يكون الأرجح أن الشعراء أنفسهم تخلصوا من سطوة القناعات التي تفترض ولاء النقد للشعر أو للأدب بشكل عام. لكن هنا .. سنجد صوتاً سرديا تميل قناعته إلى فاعلية النقد الثقافي، فالقاصة الشابة سعاد فهد السعيد لا تشعر بأن حركة النقد كانت مجحفة، ولكنها تطرح رأيها بموضوعية وتقول: إن اهتمام أي حركة نقدية يكون بوجود التجارب كظاهرة، وهذا ما حدث مع الشعر في بدايات التجربة الحداثية، حيث كان وجوده في الساحة كظاهرة تستحق الاهتمام بعكس السرد الذي كان وجوده في تلك الفترة (فترة بدايات الحداثة) لا يشكل ظاهرة، بل مجرد تجارب فردية، فلو نظرنا إلى بداية الوعي الشعري بالحداثة، فسنجد أنه بدأ فعليا مع ظهور ديوان (رسوم على الحائط) عام 1976م للشاعر سعد الحميدين، وبعده توالت مجموعات أخرى لشعراء آخرين، مما جعل الشعر ظاهرة ملفتة أو مغرية بالنسبة للنقاد، أما بالنسبة للسرد، فسنجد أن أول كتابة سردية حداثية من وجهة نظري هي (أربعة / صفر) لرجاء عالم العام 1987م ومع أن السنوات تبدو قليلة إذا اخذناها بالقياس الزمني (11) سنة، إلا أن الفارق الجوهري بين (الحداثة الشعرية والحداثة السردية) يكمن في أن حداثة الشعر سرعان ما تحولت إلى ظاهرة كان من الضروري أن يشتغل عليها النقد، أما الحداثة السردية فقد ظلت تجارب فردية، ثم فجأة ظهرت في التسعينات تجربة سردية حداثية متمثلة في القصة القصيرة، والتي برعت فيها أسماء شابة، بينما ظلت الرواية التي يمكن وصفها بالحداثية متوقفة عند رجاء عالم، وبعد أن كان النقد مشغولا في الثمانينات بنتاج الشعر بفرعيه (التفعيلي والنثري) منصرفا عن السرد الذي لم يكن له صوت حداثي جماعي يشكل ظاهرة انعكست هذه المعادلة في التسعينات، إذ حظي السرد الحداثي متمثلا في القصة القصيرة باهتمام النقاد، لكن في نفس الوقت ظلت الرواية محصورة في تجارب فردية. وتضيف سعاد السعيد فتقول: استطاع السرد أن يحقق حضوراً جيداً بعد مرور عشر سنوات على بداية الحركة الحداثية، وقد وازى الاهتمام به الاهتمام بشعر التفعيلة، لكن الذي ظلم في هذا الأمر الجانب الشعري المتمثل في قصيدة النثر التي جاءت بين المرحلتين، مع أن كتاب القصة القصيرة استفادوا بشكل كبير من تجربة قصيدة النثر. وفي ظني أن السرد التقليدي لم يظلم من الوجهة النقدية، فالحركة النقدية أنصفت السرد في شكله التقليدي المتمثل في بعض السير الذاتية، والتي يقال عنها تجاوزاً (روايات) لكتاب جذبت اسماؤهم النقاد أكثر من إبداعهم، وبنفس الدرجة بعض التجارب القصصية القصيرة لأسماء نسائية كان يعول عليها النقاد لكنها لم تكن عند مستوى الطموح، أما بالنسبة للسرد الحداثي الجديد، خصوصا على مستوى القصة القصيرة، جداً، فأعتقد أن هذه التجربة لم تنل ما تستحقه من التناول النقدي. سعد البازعي سعيد السريحي