عزيزي رئيس التحرير هذا المقال كنت كتبته قبل اكثر من عام وكانت مشاعر صادقة احسستها نحو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان الذي يجسد بأخلاقه نموذجا رائعا من سلوك وأخلاق أبناء عبدالعزيز آل سعود. وعندما حدثت هذه الاحداث الغوغائية التي ارتكبها أناس ضالون تقف خلفهم مؤسسات سرية تريد ان تفسد في الارض وتحاول ان تنال من الكيان العظيم (المملكة العربية السعودية) الذي بناه واسسه الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وفق دستور وشرع الله عزوجل دين الاسلام بمرجعين اساسيين كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ووفق منهج الشورى، واركان هذه المملكة متينة وثابتة ومرتكزة على الاركان الخمسة، ولن تسقط اركان الاسلام الخمسة الى ان تقوم الساعة ولن تهتز المملكة ما دامت تطبق شرع الله عزوجل واركان الاسلام الخمسة. عندما حدثت الاحداث الاخيرة وبينما كنت اقلب اوراقي القديمة رأيت هذه المقالة التي كنت كتبتها ولم انشرها منذ عام واحببت ان انشرها للتأمل في وقفات انسانية من مواقف آل سعود مع شعبهم في احزانهم وافراحهم. وعندما تصيب المرء نائبة او تلم به كارثة في وطنه فانه سرعان ما يلتف حوله الاهل والاحباب يحملون عنه ويخففون آلامه ومصابه فيشعر بالأمان وتخفيف حدة المصاب. ولكن عندما تصيب الانسان مصيبة الموت في الغربة بعيدا عن الأهل وخارج حدود الوطن فإن مصيبته تتضاعف واحزانه وآلامه تشتد وتسود الدنيا في عينيه حتى تغدو بحجم (التابوت) الذي سينقل جثمان حبيبه الذي فقده وتكون المتاعب اكبر والمصيبة اشد عندما يموت فقيدك في وسط قوم تتعطل بينك وبينهم لغة الكلام وتكاد الغالبية نسبة 99.99% من سكان هذه البلاد لا يتحدثون اي لغة من لغات العالم المتعارف عليها والمتداولة الا الصينية، عندما تشعر بعظم الصدمة ومرارة الألم مضاعفا. لقد عشت هذا الموقف عندما كنت في الصين مرافقا لشقيقي الدكتور فريد القرشي الأمين العام لهيئة الاغاثة الاسلامية العالمية السابق رحمه الله، عشت حالة من الذهول وخيم علي الحزن وانا اتابع حالته الصحية وهي تتدهور حتى لحظة وفاته. لقد كانت لحظات عصيبة والأصعب من ذلك نقل خبر وفاته لزوجته وابنه غسان اللذين كانا يتوقعان في كل لحظة خبر وبشرى نجاح العملية وتحسن حالته من قبل الجهاز الطبي ولكن العكس حدث عندما توقفت الرئة وتعطلت الكلى والاجهزة جميعها لاتزال تحيط جسده الطاهر رحمه الله، وتزداد المعاناة اكثر واكثر بعد بلوغ الخبر لأم غسان هذه الزوجة الصالحة المؤمنة الصابرة التي وقفت بجانب زوجها في بداية مرحلة حياته العملية واحتسبت وقتها وصحتها لله سبحانه وتعالى لتهيىء لزوجها كل سبل الراحة لدعم الاسلام والمسلمين من خلال هيئة الاغاثة الاسلامية العالمية واحسبها تتمثل في عملها هذا، الأم القدوة السيدة خديجة رضي الله عنها أسأل الله ان يجزيها ويكتب لها الاجر والمثوبة، تزداد المعاناة اكثر واكثر مع أم غسان وغسان لأننا يجب ان نعد العدة للرحيل والعودة بعد ان جئنا بحينا ليمشي على قدميه جئنا وكلنا أمل في أن يعود سليما معافى لنعود به جسدا لا روح فيه ونعود به محمولا في (تابوت). الاجراءات اذ مختلفة والعودة لابد من اجراءات وترتيبات رسمية ورحلة العودة ستكون شاقة ومرهقة اذا لاتوجد خطوط مباشرة بين الصين والسعودية وعلينا ان نمر بثلاث دول حتى نصل الى ارض الوطن الحبيب والرحلة تستغرق يومين.. والكثير.. والكثير، غرقت في حزني ودموعي وانا بين الألم والحيرة وتحولت في تلك اللحظة من أستاذ جامعي وطبيب معتز بقوة شخصيته الى عصفور حزين مكسور والاحزان تعتصرني مشتت الذهن غارق في حيرتي وذهولي، كنت كالغريق يتقاذفه اليم يمد يديه الى السماء عله يمسك بطوق نجاة وكنت اشعر في كل دقيقة تمر بي بزيادة احزاني وانا اوزع ناظري بين الجثمان وأم غسان.. وعقارب الساعة كانت تمر الثواني بطيئة كأنها ساعات. شعرت بالإحباط يتملكني وبقواي تنهار ويتعطل تفكيري فاذا بهاتف يأتيني معزيا ومواسيا يشد من ازري مطمئنا لي بأنني لست وحيدا وان ترتيبات تجري لنقل جثمان شقيقي الى ارض الوطن كان ذلك الصوت الحنون صوت سلطان بن عبدالعزيز عندما رددت عليه وحدثته كنت اظن انني اتوهم او انني احلم، مرت علي لحظات وانا بين الحقيقة والخيال بين اليقظة والمنام لكنني سرعان ما تيقنت ان هذا الصوت الحنون هو صوت سلطان الانسانية سلطان بن عبدالعزيز هذا الصوت الذي اعرفه ولا انكره منذ عشرين عاما لطالما امتدت يده البيضاء الى في اكثر من موقف في مسيرة حياتي، والانسان في مثل هذا الموقف لا ينسى وقفة اول انسان بجانبه وهو في اشد الكرب ليشد ازره ويخفف احزانه. ان هذا المواقف تحفر في الذاكرة لا تمحوها ذاكرة النسيان، وتتوارث ذلك الموقف اسرة الفقيد لجميل يصعب رده الا بالدعاء لصاحبه بأن يجزل الله له الاجر والمثوبة ويجعله في أعلى عليين في جنة الخلد مع الأنبياء والمرسلين. جاءني صوت سلطان الأمير وسلطان الأب مثل يد مدت لغريق من خلال الموج. لقد تمسكت بحبل الله سبحانه وتعالى ثم بيد سلطان الحبيب الذي انتشلني من ذهولي وحزني مخففا من آلامي وهو يقول لي: لقد أمرت السفارة السعودية في الصين وطلبت من السفير السعودي ان يؤمن لكم جميع الترتيبات للعودة الى الوطن.. كانت كلماته بلسما شافيا، جاء صوت سلطان من أقصى المغرب الى ادنى الشرق في الصين يتصل بي من مقر اجازته السنوية في المغرب ليواسيني. ان هذه المواقف تجعلك تسجد لله شاكرا ان جعل لنا قيادة وحكاما يتلمسون احتياجاتنا حتى ونحن خارج حدود الوطن ويمسحون بأياديهم البيضاء احزاننا اينما كنا. انه التأكيد والحقيقة بأن تواصل قيادتنا معنا لا تفصله الفواصل والحدود الجغرافية. ان تواصل قيادتنا مع شعبها موصول بهذا العطاء والقلب الكبير الذي يحمله قادتنا ينبض بحب ابناء الوطن سواء كان المسئول داخل الوطن او خارجه على رأس عمله او في اجازته السنوية. اي حب هذا الذي تحمله يا سلطان الحب في هذا القلب الذي يتسع ويتسع ليغطي مساحة العالم ويعبر حدود الرياض والمغرب ليصل الى الصين لا يحمله الا ابناء عبدالعزيز ولا يحمله الى من اختارهم الله سبحانه وتعالى ليكونوا خداما لبيته وخداما لدينه ومع علمي بأنه موقف من بين آلاف المواقف التي يحيطونا بها حكامنا آل سعود الذين يحيطونا بهذا الحب والحنان. ان من رأى ليس كمن سمع ومن تجسد الحدث وعاش ليس كمن قرأه او سمع عنه ولأنني عشت تلك اللحظات الأليمة وذلك الموقف النبيل فإنني اسوقه عرفانا بالجميل لقيادتنا التي تطل علينا كالأمس لتنشر علينا دفئها ولنحمد الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة التي انعمها علينا لنلتف حول قيادتنا متظللين تحت رايتها ملتفين حولها متماسكين كالبنيان المرصوص يشد بعضنا بعضا لنكون سدا منيعا في وجه اي عدو يحاول ان يتسلل الينا وان يخترق صفوفنا ليزعزع امننا ووحدتنا. اسأل الله سبحانه وتعالى ان يحفظ لنا رمزنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين وان يجزل لك يا سلطان الخير والحب والعطاء الاجر والمثوبة. ولي مع صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد وقفة: (صاحب المعروف لا يقع - وإن وقع وجد متكأ). د.نبيل ياسين القرشي استاذ مساعد طب الأسرة والمجتمع كلية الطب جامعة الملك فيصل نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع