يقول الأديب السعودي عبدالرحمن المعمّر، صاحب المجلة المحكّمة «عالم الكتب»: نحن نجيد فن الإساءة، ونسيء فن الإحسان! ولا شك في أن المعمر ، خرج بهذه المقولة، بعد أن عايش ما عايشناه من مواقف، وحالات قضت ببزوغ هذه الحكمة الحقة. فالبعض يرى أن من يعيشون بيننا من مواطنين ومقيمين هم - أساسا في نظره - متهمون دائماً حتى تثبت براءتهم، حتى لو كان الأمر جزءاً صغيراً من المطلوب براءته فيه، وإلا سيبقى أحدهم متهماً في كل الأجزاء والمواقف والأمور الباقية. نحن لا نجيد أن نقول للمحسن: أحسنت، أو أن نسْمِعه كلمة طيبة وحسب مقولة المعمر، فنحن لا نجيد أن نقول للمحسن: أحسنت، أو أن نسْمِعه كلمة طيبة، ونستصعب نطقها وإهداءها للآخرين. وفي الوقت نفسه، وفي المقابل تجد فئة أخرى تجيد فن الإساءة وسوء الظن، وتبادر إلى القيام بهما -بكل أسف- والله المستعان. والغريب أننا إذا اجتمعنا مع بعضنا، وضمت الجلسة أشخاصا من مختلف مناطق المملكة، مضينا في تشخيص وعرض وشرح وتحليل كل مشاكلنا الاجتماعية والسلوكية و«العلاقاتية» -إن صحت هذه الصيغة للكلمة- بصورة رائعة في التشخيص والعرض، وتبادلنا الاتهامات في أسبابها وتكريسها ومعرفتها، لكننا لم نتقدم خطوة واحدة تجاه حلها. ولعل التعامل الفظ لبعضنا مع أغلب المقيمين من مختلف الجنسيات، عكس صورة جلية عما بداخلنا من العنف والتعامل (الفوقي) تجاههم، (وأقول بعضنا) لأن بيننا كمواطنين - في الحقيقة - من هو على غير ذلك. فتراهم يتعاملون معنا على صورتين: صورة تجنب الحديث والتعامل معنا إلا في أمور محدودة، تطبيقا لمقولة: (الباب اللي يجيك منه الريح، سده واستريح)، وصورة انطوائهم على أنفسهم وذاتهم بعدم انسجامهم مع المجتمع السعودي بما ينبغي، لأنهم يخافون من تصرف ومعاملة أي شخص منا. وإلا ّ فقد ترى فيهم المثقف والفنان والناشط الاجتماعي والمهندس والعبقري أيضا، وغيرهم، وقل ذلك على الجنسين منهم. وعليه فلماذا هذه الانفرادية، والخصوصية المزعومة التي يعيشها كل منا بداخله؟ ألا يكفي ما أفرزته حضارة البلاستيك والتكنولوجيا الجافة، من تفتيت في داخلنا وبيوتنا وحاراتنا ومجتمعنا .. فترى الفرد يعيش غربة مع نفسه، ومع أهله، ومع مجتمعه. آه كم هي جميلة أيام الطين، والسبعينيات، أيام الطمأنينة والحب، والحلم والجمال. على فكرة: شاهدت مؤخرا لقاء تلفزيونيا لمواطن أمريكي في الستين من عمره في قناة cnn يتحسر هو الآخر على أيام السبعينيات في بلاده أمريكا، ويذكر موقفا وصورا تشبه تماما ما عشناه في تلك الفترة. ألم أقل يوما: إن فترة الستينيات والسبعينيات من السنوات الذهبية الجميلة لأغلب المجتمعات، حتى كدت أجزم بأن هناك من قصد تشويه وتدمير هذا الجمال لتلك السنوات في كل البلدان. ويحضر الشعر في ترجمة وتشخيص الحالة، فهذه قصيدة (الطين) للشاعر الكبير (إيليا أبو ماضي): نسي الطين -ساعة- أنه طين حقير فصال تيها وعربد وكسا الخز جسمه فتباهى وحوى المال كيسه فتمرد يا أخي لا تمل بوجهك عني ما أنا فحمة، ولا أنت فرقد أنت لم تصنع الحرير الذي تلبس واللؤلؤ الذي تتقلد قمر واحد يطل علينا وعلى الكوخ، والبناء الموطد. تويتر @mtaljelwah