في إحدى قرى المملكة كان الحدث، وصل الضيوف واستقبلهم الوالد وجلس الجميع وظهر الابن الذي كان يحمل دلة القهوة في يده وهو يقدم لضيوفه القهوة بيده اليمنى وما إن انتهى حتى جلس في نهاية المجلس بينما كان أخوه الأصغر يباشر الضيوف بالتمر ماحدث هو جزء من الأعراف والتقاليد التي تعرف بالإتيكيت السعودي، وفي المقابل تظهر قصص أخرى تعتبر تقيدا بالإتيكيت لكنه يخالف العرف السعودي مثلما طلب شاب سعودي اسمه يوسف من والدته جلب الشوكة والسكينة ليطبق ما شاهده عند أصدقائه في منزلهم من فنون الإتيكيت في الأكل والشرب، استغربت والدته ذلك، خصوصا أنهم تعودوا الأكل والشرب على الأرض واستخدام اليد في الأكل. هذا الصراع أخذ منحى آخر بين الإتيكيت السعودي والإتيكيت المستهجن في الأعراف، عندما اتجهت كثير من المدارس الخاصة للاستعانة بخبيرات في فن الإتيكت لتعليم طلابها وطلابتها ذلك كأحد الأمور المستحدثة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم افتتاح بعض المدراس والمعاهد المتخصصة في تعليم فن الإتيكيت في بعض مدن المملكة الكبرى، من أجل مواكبة الطلب المتزايد من قبل المدارس وبعض أولياء الأمور على تعليم هذا الفن. ورغم اختلاف ردة الفعل المجتمعية تجاه تعلم الإتيكيت ما بين مؤيد ومعارض لها بحجة مخالفة العادات والتقاليد وخرقها في المجتمع الذي تغلب فيه القبيلة والبداوة التي تتعامل مع هذه الأمور في الغالب بنظرة مختلفة، إلا أن النشء يؤكدون أن الزمن تغير والعالم أصبح قرية صغيرة ومن الضروري مواكبته بكل ما فيه من حضارة ومدنية، واعتبرت الأوساط الشرعية أن تعلم هذا الفن يدخل في دائرة المباحات ما لم يشتمل على أمور مخالفة للشريعة. «عكاظ» بحثت في مفهومه، وغيابه في حياتنا اليومية، وما العلاقة التي تربطه بالعادات والتقاليد، واستطلعت آراء المهتمين والمختصين والممارسين لتعليمه، وإضافة لاستيضاح رؤية الأوساط الشرعية والتربوية والاجتماعية لها في سياق التحقيق التالي: في البداية، بينت نورا محمد أنها تسعى لتعليم أبنائها فنون الإتكيت من خلال المعاهد التي تهتم بهذا الجانب قائلة «سيفيد أبنائي في حياتهم الاجتماعية و يجعلهم أكثر لباقة مع الآخرين، فيجيدون التصرف والسلوك حيث ما تواجدوا»، ولفتت إلى أن زوجها أبدى إعجابه بالتغير الذي طرأ على سلوك أبنائه وما تعلموه من أمور تجعلهم أكثر تحضرا وذوقا في التعامل مع الآخرين، وتمنت لمى أن يستفيد مجتمعنا من المدارس التي تعلم فن الإتكيت؛ ليبني مستقبلا يملؤه حسن السلوك. وبينت الطالبة زهراء شاكر عن رأيها بدورات الإتكيت قائلة: «أفادتنا حصص الإتكيت كثيرا فتعلمنا أمورا نستفيد منها في مستقبلنا، كما تساعدنا في التعامل مع الآخرين، مفيدة أنهم تعلموا أن لكل مكان تصرفاته ومظهر يجب أن يحافظوا عليه، كما أصبحنا نطبق ماتعلمناه في حياتنا اليومية»، وأشارت أزهار إلى والديها لاحظا هذا التغير، ونصحت أزهار بنات جيلها بأن يشتركوا في هذة الدورات حتى تساعدهم في تكوين نظرة ومكانة جيدة بالمجتمع. وترى هدى عبد الله أم لطفلين؛ بأن معرفة قواعد الإتكيت والتعاملات اللبقة في مجال العمل يبعث على العطاء ويحفز على الاحترام بين طاقم العمل. المعارضات ورفضت عدد من الفتيات الانضمام لمثل هذه الدورات والمدارس، حيث قالت سلوى عادل «نرفض التخلي عن عادتنا وتقاليدنا من أجل تعلم فن الإتكيت، فنحن نعرف كيف نتعامل مع الناس ولدينا نحن العرب والمسلمين مورث ودين حبب بنا الآخرين وجعلهم يعتنقون ديننا ويحبون بلادنا، فلماذا نبحث عن أمور أخرى طالما أننا نملك ما هو أهم من هذا الإتكيت». أما أروى أحمد، فترى أنها ترغب في تعلم فن الإتكيت لمسايرة فتيات جيلها؛ لكن خوفها من نظرة عائلتها لها جعلتها تتراجع عن هذه الخطوة، موضحة أن تعلم فن الإتكيت أمر جديد؛ لكنها غير مؤمنة به كامل الإيمان، كون المجتمع عاش طيلة الفترة الماضية دون تعلم الإتيكت لكن بتطبيق ماتربينا وتعدونا عليه من إكرام الضيف وحسن التعامل مع الناس. وترى أم ياسر أنها سمعت عن الإتكيت ولكن لا تعلم عنه شيئا، وأن المجتمع ليس بحاجة لمن يعلمه كيف يأكل ويشرب ويتعامل مع الناس، مشددة على أنها مجرد موضة عابرة، وأن العادات والتقاليد والتربية والدين هي الفيصل في أساليب التعامل مع الآخرين وممارسة حياتنا بطريقة مصطنعة. وشرحت خبيرة الإتكيت والمسؤولة عن تنفيذ برامج الإتكيت في مدارس في جدة دينا المدهون عن أسباب توجه المجتمع لتعلم هذا الفن بقولها: «تغير الحياة الاجتماعية وانفتاح الأفراد على المجتمعات الأخرى والعمل على إيجاد لغة حوار مشتركة بين الحضارات هو السبب الحقيقي لوجود فن الإتكيت والبروتوكول»، مبينة أن تعلم المبادئ والقيم والتواصل الحضاري بين الشعوب والثقافات هو المفتاح الحقيقي لنجاح الفرد ورقيه سواء في حياته اليومية أو العملية. وأفادت«أنهم في مدرسة الإتكيت يهدفون إلى تعليم القيم والمبادئ النابعة بالأساس من ديننا وعقيدتنا بطرق جميلة حضارية تواكب تطور الحياة وتعزز الثقة والاحترام وتعكس صورة مجتمع واعٍ ومتحضر، يستطيع الاعتماد على نفسه والانخراط بشكل حضاري مع مختلف الأشخاص والمجتمات»، ولفتت إلى أن هذه الدورات تركت أثرا إيجابيا لدى جميع المشاركين من مختلف الفئات العمرية من مختلف المدارس التي تعقد فيها هذه الدورات سنويا، مؤكدة أن هذا سر الإقبال الشديد على تعلم فن الإتكيت، وشرحت أسباب القبول بقولها «استخدام الطرق الحديثة وخلق الأجواء الممتعة وتقريب الواقع من أهم الطرق المتبعة لدينا لدعم هذة السلوكيات والقيم التي تلامس تفاصيل حياتنا بصورة حضارية». مناهج مختلفة وأفادت أن تعلم فن الإتكيت يحوي على مناهج تختلف باختلاف الفئات العمرية المشاركة، مما ييتح الفرصة للجميع بالالتحاق بما يناسبهم ويلائم تطلباتهم، ودللت على ذلك «هناك دورات خاصة للسيدات تتعلق بالعمل والنجاح الوظيفي ومهارات المحادثة والتعامل والمقدرة على خلق بيئة عمل مريحة والتعريف بالبرتوكول والإتكيت الخاص بمختلف الشعوب، التي يتم التعامل معها، بينما هناك دورات تتمحور حول تنسيق المائدة والآداب والقواعد المتعارف عليها ابتداء من الترحيب بالضيوف وصولا إلى مائدة الطعام». وأشارت دينا إلى وجود دورات للأطفال تعتمد على تعزيز السلوكيات الحسنة وبناء الثقة بالنفس والقدرة على مواجه المواقف المختلفة باللباقة وحسن التصرف. واعترفت دينا بأن هذه السلوكيات تطبق بكل منزل من قبل الأمهات، مستدركة أن صقل هذة السلوكيات على أيدٍ مختصة يعطيها طابعا مميزا، مشددة على أن الإتكيت ليس مجرد قواعد ونظم إنما سلوكيات وقيم نفتخر بها. واعتبرت أمل السليمان مدربة إتكيت متخصة بالمظهر العام، أن سيطرة التكنولوجيا على عقول الجيل الجديد وتطور طرق الاتصال من خلف الشاشات ضاءل قدرات فتياتنا في التعبير والتعامل مع محيط اختلف عن ما اعتادوا عليه، وأوضحت أنها كمدربة إتكيت متخصصه في المظهر العام، وجدت أن تعزيز الثقة بالنفس وتحفيز التغيير إلى ماهو أفضل في مراحل عمرية صغيرة يساهم بشكل كبير في إبراز شخصيات واثقة وقادرة على إبداء رأيها بالطريقة الصحيحة، مما يبني جيلا متعلما يعكس صورة التقدم والتطور بشكل صحيح؛ ليكون فخر ديننا وبلادنا. مهارات اجتماعية وعلقت التربوية وفاء القاضي (مديرة إحدى المدارس الخاصة) عن سبب توجه مدرستها لعمل دورات خاصة قائلة: «توجهنا لتعليم الطالبات فن الإتكيت لإكسابهن مهارات اجتماعية وآداب التعامل مع الآخرين، موضحة أن فكرة تعليم الطالبات هذا الفتن جاءة بفكرة إحدى المدربات التي كانت طالبة سابقة في المدرسة» وبينت القاضي أنه تم عرض الموضوع على أمهات الطالبات اللواتي اعجبتهن الفكرة فلقي إقبالا من الطالبات ودعما من أولياء الأمور. وأفادت القاضي أنه تم تنفيذ البرنامج على مدى ثلاث سنوات من خلال حصص النشاط، وكان البرنامج من نقاط القوة التي حسبت للمدارس عند زيارة المنظمة الدولية للاعتماد الأكاديمي، وطالبت القاضي المسؤولين الالتفات لتعليم الطلبة فن الإتكيت ودراسته لأهميته وحاجة الطلاب له، في ظل إقرار الوزراة للمناهج المطورة. وهنا يوضح المستشار الأسري عادل الجهني الفرق بين العادات والتقاليد والإتكيت، مشيرا إلى وجود فرق، فالعين تحب أن ترى كل شيء جميلا في كل شيء، والله يحب الجمال، ويعود لثقافة المجتمع. ويرى أن المدرسة هي البنية الأولى لتعلم الإتكيت، واعتبر أن الإسلام منبع الجمال «الكثير يعتبر أننا متأخرون عن العالم، فيما نحن الأوائل في هذا الفن الجميل، من خلال الآداب التي نقلها لنا القرآن، وأقرها الإسلام وعمل بها الناس». وأشار إلى أنه لا يمانع أن يتعلم أبناؤه وبناته الإتكيت «أنا المعلم الأول لهم، لو كان هناك دورات تعلمهم بشكل أفضل مني سأبادر لأدخلهم فيها». محاسن الأخلاق ويوضح العلماء الجانب الشرعي في تعليم فن الإتكيت، حيث اعتبر مدير المركز البحثي في فقه القضايا المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عياض نامي السلمي، أن تعلم فن الإتكيت يدخل في تعلم حسن الآداب في التعامل مع الناس، مستثنيا من ذلك أن يتعلم الشخص أمورا تخالف الشريعة، مثل الأكل أو الشرب بالشمال وتعويد النشء على ذلك، وشدد السلمي على أن من يتعلم الإتكيت بنية التقليد المجرد لغير المسلمين بعيدا عن أي هدف آخرى فإنه ربما يدخل في دائرة التشبه بغير المسلمين المنهي عنه. ورأى عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة في جامعة الملك فيصل الدكتور عبداللطيف الحسين، أن تعلم فن الإتكيت من المحاسن الكبرى التي دعت لها الشريعة الإسلامية، موضحا أن هناك أمورا مستجدة في الحياة ذوقية تعلم النشء كيفية التعامل مع الآخرين بأسلوب مهذب ومؤدب، مشددا على أنه لا حرج فيها، ولو كانت أمورا مستحدثة؛ لأنها أمور بعيدة عن القضايا الشرعية، فهي أنماط تنمي في النشء الذوق الرفيع في كيفية الأكل والشرب والتعامل والغسل وعدم إصدار الأصوات غير اللائقة عند الوجود بين الناس، واستدل على عدم وجود حرج في تعلم فن الإتكيت من خلال اختلاف الزمان واختلاف أنماط الطعام والشراب وخلافه بين الناس، مضيفا أن موائدنا اليوم تختلف عن موائد الآباء والأجداد، وكذلك نوعية الأكل والشراب والتعامل مع الناس، مؤكدا أن الدين سعة. ودعا الجهات التي تعلم فن الإتيكت إلى ضرور ربط هذا الفن بالقواعد الشرعية، وأخذ الحذر من تعليمهم أمورا تخالف الآداب والشريعة الإسلامية بقصد أو بدون قصد. ويرى إمام جامع الملك سعود سعيد القرني، أن الإسلام هو من أقر هذه الآداب وهي من المحاسن الجميلة وتجعل صاحبها يتزين بالخلق الحميد، ولا بأس في تعلم بعضها المستحدثة، والتي تكون في الأكل والشرب والتعامل مع الآخرين. وتمنى القرنى أن يحرص الآباء والأمهات على تعليم أبنائهم وبناتهم الآداب الحميدة الإسلامية، فمنها ينبثق الإتكيت، واعتبر أن اتجاه الشباب لتعلمها من الأمور الحميدة والمفيدة للمجتمع من خلال جعلهم يظهرون بالشكل الحسن اللائق بهم في تعاملهم وسلوكهم في كافة تعاملاتهم اليومية.