هل تذكر بدقة جريدة قرأتها قبل اربعين عاما؟ طبعا انا لا اقصد عدد الصفحات ولا اناقتها كما لا اقصد الالوان الزاهية التي تطل بها الصور والاعلانات. لكن اقصد هل تتذكر الآن لغتها، وطريقة خطابها والموضوعات التي كانت تعالجها بحماسة او فتور!! ضع هذه الجريدة الآن وجها لوجه مع جريدة صدرت اليوم، وقارن بين لغتي الجريدتين.. فماذا سترى؟ سترى ان اللغة واحدة وطريقة الخطاب واحدة وان ما قالته الجريدة القديمة اعادته الجريدة الجديدة بنفس الجمل والعبارات وبنفس الحماس او الفتور. ترى ما السبب؟ السؤال هذا حاول كثير من المفكرين والكتاب الاجابة عنه، وتتلخص هذه الاجابات الكثيرة في ان: 1 ثقافتنا عقيمة ان لم تكن ميتة. 2 ماضوية لا تعرف النظر الى المستقبل. 3 منفصلة عن الواقع.. الخ. ان هذه الآراء لا نستطيع تقبلها بالكامل ولا رفضها بالكامل، ولكن يبقى انها تنظر الى الظاهرة من زاوية واحدة هي ان الثقافة جوهر قائم بنفسه يصوغه المثقفون في حين تتجاهل التداخل الذي يقوم بين الثقافة والسياسة، والتناحر القائم بينهما طوال التاريخ. ما اقصده من هذا كله هو ان خطابنا عن المسألة الفلسطينية لم يختلف منذ اكثر من نصف قرن حتى الآن: نفس الغضب الذي لايدري الى اين يتوجه ونفس المفردات اللغوية التي صكها عمرو بن كلثوم ونفس الرؤية الضبابية التي تفصل النظرية او اللغة عن الواقع. الشاعر الكبير امل دنقل يصور العالم العربي كله وهو يصرخ: ايتها ..... لا تسكتي.. فقد سكت سنة فسنة لكي أنال فضلة الامان ظللت في عبيد عبس احرس القطعان أنام في حظائر النسيان وهأنا في ساعة الطعان ساعة ان تخاذل الكماة والرماة والفرسان دعيت للميدان انا الذي لاحول لي او شان فهأنا على التراث سائل دمي اسائل الصمت الذي يخنقني ما للجمال مشيها وئيدا؟ اجندلا يحملن ام حديدا؟ أسائل الركع والسجودا أسائل القيودا ما للجمال مشيها وئيدا