قد يكون الحقد مدمراً لكن الغضب أكثر تدميراً، فإذا كان في قانون الحاقدين لا توجد حصانة لشيخ مقعد من صب جام حقدهم عليه فإن قانون الغاضبين لا يرى حصانة لمجتمع بنى أسسه ولبناته على أنقاض حياتهم ووجودهم . نعم قد يرى شارون فيما حدث نصراً أمنياً له لأنه خلص إسرائيل من رجل كما قال هو بنفسه في معرض تهنئته لرجاله لنجاحهم في اغتيال الشيخ ياسين أنهم تخلصوا من رجل لا يسكن في رأسه سوى فكرة تدمير إسرائيل ووجودها، رجل كان يجند أو يعبىء آلاف الاستشهاديين لتدمير وجودها والدفاع عن وجود شعبه، لكن الشيخ انتصر في إيجاد مقاومة جديدة ومختلفة في فلسطين . ربما أراد شارون اختبار قوة المقاومة في الرد بعد ضربة قاصمة وموجعة لأن الاسرائيليين يعرفون جيداً ما يشكله القادة والمثل العليا في منظومة المجتمعات العربية والإسلامية ذلك الحبل السري الذي يجعل الناس مرتبطين بهم أبعد من مجرد ارتباط إيديولوجي دون أن يقدموا لهم اغراء ماديا أو مراكز دنيوية ومع ذلك ترى الناس مستعدين طوعيا إلى التخلي عن مادياتهم ومراكزهم الدنيوية وتقديم أنفسهم للموت في سبيل أفكار أولئك القادة واتخاذ منهجيتهم دستوراً لحياتهم . ولذلك مهما كانت الاحتمالات المطروحة حول اغتيال الشيخ أحمد ياسين ومهما كانت الرهانات يبقى الأمل في أن ينحرف الشعب الفلسطيني عن طريقه وعن منهجه ضئيلا بل سيصبح وجوده أكثر قوة وحضوره أكثر وضوحا لأن سنة الله تقضي بأن (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) . ويبقى الرهان على الحبل السري الذي يربط الأمة بقادتها هو رهان على قوتها وسره الذي لا يمكن أن يخترق أو يضعف، حاولوا فرض قادة يمكن أن تخترق هذا النسيج لكنهم سقطوا لأن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض . الشيخ أحمد ياسين رجل عاش معوق الجسد طوال حياته لكنه كان أكثر الرجال حركة في وجدان الأمة وأكثرهم حضورا في الساحة دفاعاً عن شرفها وكرامتها ومقدساتها. ولذلك سيبقى الشيخ أكثر حضوراً في ضمير الأمة كما كان.