المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي wuf12 بالقاهرة    فان نيستلروي فخور بمسيرته كمدرب مؤقت مع يونايتد ويتمنى الاستمرار    النصر يتغلّب على الرياض بهدف في دوري روشن للمحترفين    القبض على شخص بمنطقة الجوف لترويجه مادة الحشيش المخدر    مدرب الأخضر يضم محمد القحطاني ويستبعد سالم الدوسري وعبدالإله المالكي    الهلال: الأشعة أوضحت تعرض سالم الدوسري لإصابة في مفصل القدم    المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي في الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين بالبرازيل    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    إطلاق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    لحظات ماتعة    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد الترجمة؟
سؤالنا واضح
نشر في اليوم يوم 22 - 03 - 2004

حين طرحنا قضية الترجمة، لم نكن نرغب طرحها كما هي، فرغبتنا كانت البداية من حيث انتهى الآخرون، أو من حيث انتهى الجدال حول الترجمة، وكان تساؤلنا واضحاً (ماذا بعد الترجمة) أي ماذا حصل للكتاب المترجم، هل قرأه الآخر؟ هل وزع الكتاب بشكل جيد؟ هل وصل صوتنا للآخر؟ هل استفاد ا لكاتب من هذه الترجمة؟ من المستفيد أصلاً من عملية الترجمة هل هو الناشر أم الكاتب؟
وإن كان هذا التساؤل الأخير غير مهم بالنسبة لنا، إلا أنه يظل في قائمة أولويات المبدع نفسه، الذي ترجم له العمل، حيث أنه في العادة يبقى تحت رحمة الناشر أو الموزع، سواء في موضوع الترجمة أو العمل بنفس اللغة، وهو موضوع أثري كثيراً في الصحافة المحلية والعربية.
وبالتأكيد نحن هنا لن نطرح التساؤل المفترض من يترجم لنا نحن أم الآخر؟ فهي قضية أيضاً افترق عليها فريقان منهم من يرى أن ننبري لترجمة منجزنا الإبداعي والثقافي وننقله للآخر، ثم قد لا يقرأه سوى عدد قليل ممن يصلهم المنتج ربما عن طريق الخطأ، وفريق يرى أهمية ترك الآخر هو الذي يختار منجزنا ويترجمه كما يرى، وعلى ما يعتور هذين الرأيين من أهمية وضرورة للمناقشة إلا أن قضيتنا هنا نود أن نحصرها في موضوع ما بعد الترجمة بالتحديد.
جاءت الإجابات (أو المداخلات) في معظمها تحمل حسرة واضحة على واقعنا تجاه الترجمة عموماً وتجاه ما بعد الترجمة، وأفضى لنا أصحاب التجارب بتجاربهم المرة تجاه توزيع منتجهم الإبداعي المترجم للغات أخرى، وللحقيقة فقد أصررنا على أن تكون المشاركات من مبدعين مروا بالتجربة تحديداً.. نحن لا نرغب في عملية تنظير ثقافية أو رؤية لا تحمل تجربة حقيقية.. ورغم أن الكثير من الإجابات ابتعدت عن لب الموضوع، إلا أننا لا نملك تقييد الآخرين بإجابات نسعى لها بقصدية.
هل نجحنا في ذلك حسبنا أن رغبتنا جادة ونترك للمتلقي وللمهتم الحكم على هذه القضية...
تقول بديعة كشغري لقد وجد منجزي في بداية طريقه إلى الترجمة إلى اللغة "الدانمركية " ثم إلى "الألمانية " تلا ذلك الترجمة التي قمت بها شخصياً إلى "الإنجليزية " وصدرت في كتاب مزدوج اللغة بعنوان " الزهرة العصية" The Unattainable Lotus وهناك ترجمة للكتاب نفسه إلى الفرنسية تقوم بها حالياً الشاعرة مارتين شيفال Martine Chival التي كانت تقيم في " قطر " .
لكل كتاب حكايته في الترجمة
وتضيف الشاعرة كشغري قائلة: على أن لكل ترجمة حكاية تختلف تماماً عن الأخرى، فالترجمة إلى الدانمركية جاءتني مفاجئة عن طريق دعوة مجمع السنونو لي للمشاركة في مهرجان المرأة العربية الدانمركية عام 1997 والذي كان يرأسه آنذاك الشاعران العراقيان منعم الفقير وسليم العبدلي. حيث علمت منهما أنهما قاما بترجمة مختارات من نصوصي الشعرية التي قرآها في ديواني: ( الرمل إذا أزهر ) أثناء زيارتهما إلى بيروت والقاهرة عام 1996 . وقد كان اتصال الشاعر منعم الفقير بي عن طريق الناشر ( المؤسسة العربية للدراسات والنشر ) حيث لم يسبق لي معرفة بالشاعرين، كما أن عنواني لم يكن موضوعاً في الديوان الآنف الذكر.
أما الترجمة إلى اللغة الألمانية التي صدرت في كتاب بعنوان " إيقاعات امرأة شرقية " فقد كانت وفقاً لرغبة الدكتور عدنان الطعمة المقيم حينذاك في ألمانيا وهو باحث ومحقق في نشر المخطوطات العربية وله اهتمامات خاصة وجهود فردية في ترجمة الشعر العربي حيث ترجم أعمالاً لمجموعة من الشعراء العرب من أمثال إيليا أبو ماضي، سميح القاسم، نزار قباني، محمود درويش، وسعاد الصباح. كما قام بترجمة ديوان " قصائد حب " لسمو الأمير الشاعر خالد الفيصل عام 1997. وهو العام الذي قام فيه د. الطعمة بزيارة قسم النشر والمطبوعات بشركة أرامكو السعودية التي كنت أعمل بها آنذاك وقد اقترح علي إبانها مبدياً الرغبة في ترجمة مختارات من الشعر النسوي السعودي. ثم بدأ الاتصال بي حين شرع في الترجمة ودارت بيننا مراسلات أدبية تتعلق بالمشروع حيث كان يوجه لي الكثير من الأسئلة حول نصوص تكتنفها بعض الإشكالات التي كانت تواجهه على الصعيدين السياقي والإبداعي.
وعن ترجمة إبداعها للغة الإنجليزية تقول كشغري: لقد قمت بإنجازها شخصياً حالما أتيحت لي الفرصة ( أي بعد استقالتي من عملي مع أرامكو عام 1999 وقد كانت فكرةً أو حلماً قديماً راودني عام 1996 وأكملته ليصدر في كتاب " الزهرة العصية " عام 2000 معتمدة في ذلك على خلفيتي الثقافية في اللغتين وعلى خبرتي المكتسبة في الترجمة خلال العمل والملتقيات التي شاركت فيها بالترجمة الفورية لبعض المحاضرات. وعلى الرغم من ذلك واجهت الكثير من التحديات في هذا العمل الذي عمّق من إحساسي اللغوي والإبداعي باللغة الأم.
أما بالنسبة إلى الترجمة إلى الفرنسية، كنت قد التقيت قبل عامين بالشاعرة والمترجمة الفرنسية مارتين شيفال في مهرجان الدوحة الثقافي، وبعد مشاركتي الشعرية هناك، اقترحت المذكورة ترجمة مجموعتي المزدوجة اللغة إلى الفرنسية فرحبت شخصياً بذلك خاصة أنها شاعرة وتجيد أكثر من لغة كالفرنسية والإنجليزية والعربية وأعتقد أن الترجمة في طريقها إلى الإصدار حيث راسلتني كثيراً للاستفسار أو الاطلاع على ما أنجزته من الترجمة.
لا بد من ترجمة الإبداع
وعن الجدل الدائر حول مسألة ترجمة الإبداعات المحلية قالت كشغري بالتأكيد أنا مع الفريق الذي يرى ضرورة اشتغالنا على ترجمة منجزنا الإبداعي لا سيما ونحن نعايش عصر العولمة بما يفرضه من تحديات حضارية، وتضيف إنّ (الأدب) في قمة هذه الأولويات باعتباره المنجز التراكمي لحضارة الشعوب بما يحمله من أبعاد لها خصوصيتها بدءاً بالهوية والإرث الفكري مروراً بالتطور الاجتماعي والأنثروبولوجي وانتهاء بالرؤية الإستشراقية لمستقبل الأمة.
ومما لاشك فيه أن ازدهار الأدب مرتبط بازدهار الدولة، فدار الحكمة خير مثال على عهد الخليفة المأمون وعلى تطور الترجمة وتلاقح الثقافات مما أدى إلى ازدهار الحركة الثقافية في ذلك العهد. وقد كان المتنبي منكبّاً على قراءة الكثير من الفلسفة الإغريقية المترجمة مما أثرى شعره الفلسفي خاصة. فلا عجب إذن أن تصنف الترجمة في المرتبة الثانية من أعمال الإبداع وتكون هناك حقوق للمترجم شأنه في ذلك شأن المؤلف.
متابعة ما بعد الترجمة
وعما بعد الترجمة وكيف تسير الأمور في إبداعها المترجم تقول الشاعرة بديعة كشغري أنا على اطلاع نسبي عبر الناشر خاصة فيما يتعلق بكتاب (الزهرة العصية) المترجم إلى الإنجليزية، فدار الساقي على سبيل المثال توافيني سنوياً بكمية مبيعاتها، وهي الدار الوحيدة التي ترسل لي (شيكاً) تقتطع فيه للمؤلف حصة مما تحقق من أرباح مبيعات الكتاب، وأعتقد أن نسبة المبيعات جيدة في رأيي على الرغم من محدودية توزيعهم في بعض الدول. مؤكدة أن الكتاب نفسه حظي بعدد لا بأس به من القراءات التحليلية النقدية التي نشرت في دوريات أجنبية تعنى بالأدب العربي كمجلة (الجديد) الصادرة في أمريكا ومجلة جورنال الدراسات الشرق أوسطية The Journal of Middle Eastern Studies وبعض المواقع على الشبكة الإلكترونية العالمية.
كتبي مطلوبة
وتشير كشغري بقولها خلال معايشتي للأوساط الثقافية (في كندا تحديداً ) هناك الكثير ممن يسألونني شخصياُ عن كيفية شراء الكتاب، وعما إذا كانت هناك كتب مشابهة ( مترجمة ) لأدبنا المحلي. وتستكمل قائلة أعتقد أننا في ظل المرحلة الحالية الحرجة التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية لابد أن نوحد جهودنا في الترجمة بشكل مؤسساتي وذلك بتأهيل المترجمين ودعمهم لخدمة هذا الهدف، فالجهود الفردية تظل كاليد الواحدة لا تصفق وإن كانت قد تفلح في إشعال شمعة بدلاً من أن تلعن الظلام.
المؤلف والمترجم بريئان
وعن مسؤوليات الترويج والتوزيع في ظل تراجع قراءة واقتناء الكتاب الورقي تقول كشغري لا شك أنها تلعب دوراً رئيساً قد لا يقل أهمية عن دور "الترجمة " ولكن لا أعتقد أن هذا من شأن المؤلف أو المترجم.
وكحل لهذه المشكلة تقترح كشغري اعتماد الإعلان عن طريق الشبكة إضافة إلى إجادة القارئ المهتم باستخدامها، وتضيف مرة أخرى فقد فوجئت قبل عامين باتصال وزارة الثقافة الماليزية بي ودعوتها لي لحضور مهرجان الشعر العالمي التاسع في كوالالمبور، وعندما استفسرت عن كيفية تعرفهم على إصداراتي كان الجواب يكمن في " الشبكة الإلكترونية " التي توفر فيها عرض كتب في موقع " أمازون " كذلك البحث عن سيرة المؤلف ومنجزه بواسطة استخدام مواقع البحث الإلكترونية مثل ( (GOOGLEالتي وفرت بعض المعلومات عن طريق إدخال اسم المؤلف.
التواصل الحضاري
وتخلص الشاعرة كشغري الكلام بقولها من هنا تبدو أهمية معايشة العصر ومخاطبة الآخر " بلغته في محاولة لمد جسور التواصل الحضاري والثقافي. وقد كان حضور هذا المؤتمر بالنسبة لي تجربة ثرية بانفتاحها على التعددية الحضارية والنهل من ينابيع التجربة الإنسانية الأكثر شمولاً وذلك بمقاربتها بين الشعوب وإغناء مفاهيمها الثقافية المتكئة على الشق الروحي والفكري من جهة وعلى الشق العملي من جهة أخرى.
الانفتاح على الثقافات الأخرى
وتقول لمياء باعشن أستاذ الأدب الإنجليزي والنقد الأدبي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة عندما نتحدث عن ترجمة الثقافة المحلية إلى اللغات الأجنبية فإننا ندخل حيز الترجمة العكسية، لأن المألوف هو أن تقوم أمة ما بترجمة نصوص أجنبية إلى لغتها بغرض الإفادة من حضارات الأمم الأخرى، وكان هذا هو الحال في المسار التاريخي العربي الذي عني بتنظيم الاتصال بالثقافات الأخرى كالفارسية والرومانية والهندية، فانطلقت أكبر حركة للترجمة من العهد الأموي حتى تم بناء (بيت الحكمة) في عهد الخليفة المأمون.
وتضيف باعشن لقد انفتحت الشعوب العربية على ثقافات أجنبية متنوعة واستثمر علماؤها منجزات الثقافات القديمة اليونانية والفارسية والهندية والصينية من فلسفة وتقنية وإدارة وحساب وطب وفلك كان من آثارها نهضة العلوم العربية وتناميها. وتابع العرب انفتاحهم على الآخر من خلال الترجمة حتى وهم خارج نطاق القوة والازدهار فقاموا في القرن العشرين بترجمة الآلاف من الكتب الأجنبية في مختلف الحقول الفكرية. وعلى هذا النهج سارت النهضة الأوروبية في طريق استقاء العلوم المطورة في حضارة العرب، فتولى المستشرقون ترجمة المؤلفات العربية إلى اللغات الأوروبية، ولم يتوقف الغرب عن استقاء العلوم من إرث العرب القديم حتى يومنا هذا- فمازالت المخطوطات العربية الأثرية تتصدر قائمة اهتماماتهم العلمية.
الندية لا الإذعان..
وتستدرك باعشن قائلة لكننا اليوم نعيش في عالم تقاطعي لا يمكن لأمة أن تحقق به أي نمو إلا بشكل تبادلي مع باقي الأمم. ويعتمد هذا التبادل على القدرة على التعامل مع الآخر وكسب ثقته والتحاور معه من منطلق الندية لا التبعية والإذعان. لذا فقد نشأ في العصر الحديث فن، بل علم تشكيل صورة شعب عند الآخر، وقد وقع العرب ضحية آليات هذا العلم حين تولى المستشرقون مهمة تقديم هذه الأمة إلى الغرب فكانت صورة البربري الهمجي الذي يتعارض تماماً مع الحضارة التي نقلت عنه. وكانت تلك الخطوة الأولى في طريق طويل هدفه تشويه صورة العربي المسلم في أنحاء العالم، حتى انتهى بنا المطاف إلى متاهات الإرهاب ودوامات تهديد الأمن العالمي.
تحقيق التواصل
وتخلص باعشن من خلال مقدمتها إلى القول: تستدعي إذاً هذه النمطية المخجلة لدى الآخر عن العرب تحركاً ثقافياً يقود مساراً معاكساً لتحقيق التواصل مع الآخر وتصحيح معالم تلك الصورة، بل وإحلالها بصورة مغايرة تقارب بين الحضارة المنقولة عنا إلى الآخر، وبيننا كصناع لتلك الحضارة.
وتضيف قائلة: في ظل هذه المتغيرات العصرية، تكتسب الترجمة العكسية أهمية قصوى في مجرى تحقيق التواصل بين الشعوب، بل تصبح في حد ذاتها فعل مثاقفة لا يترجم معلومة يستفاد بها، إنما يأخذ على عاتقه مهمة قومية هدفها القريب تبديل الصورة المشوهة عن العرب عند الآخر، وهدفها البعيد والأهم هو جعل فكرنا القومي لبنة في البناء الثقافي العالمي الشامل. لذا فالمسألة تحتاج إلى تخطيط ودقة ليس فقط في عملية اختيار النصوص التي تساهم بشكل إيجابي في هذه العملية، بل في اختيار المترجمين ودور الطباعة والنشر ثم عملية التوزيع التي تعمل على توصيل الكتب المنشورة إلى الآخر. أما أن تترك مسئولية ترجمتنا ( وليس فقط ترجمة ثقافتنا) إلى غيرنا فنحن نغامر مرة أخرى، وستبقى تهمة التخلف ملتصقة بنا. نحن بحاجة إلى خطاب مناقض لا يجاهر بالمرافعة ولكنه يتسرب دون زوابع إلى ضمير الآخر ليحدث التغيير المطلوب.
سأتوقف عن ترجمة الحكايات الشعبية
وعن تجربتها الخاصة في مجال الترجمة تقول باعشن لقد قمت بالترجمة بشقيها أي من وإلى العربية، وسأتوقف عند ترجمتي للحكايات الشعبية المحلية إلى الإنجليزية. وتتابع قولها قد لا يتبادر إلى الذهن أهمية مثل هذه الترجمة، لكنني أرى أن التأصيل من أهم أسس تغيير الصورة عند الآخر، فنحن أمة ذات أصول عريقة تتناقل ثقافتها الرسمية والشعبية على مدى عصور، كما أننا أمة لديها خيال واسع وإحساس كبير بالجمال ورغبة أكيدة في التمسك بمكارم الأخلاق والقيم الإسلامية الأصيلة. كل هذه الأمور موجودة وبشدة في متن الحكايات الشعبية التي تتنافس الأمم في جمعها من أفواه شعوبها وتزاحم في طبعها ونشرها والمساهمة بها كإنجاز ثقافي ضمن المنظومة الثقافية العالمية.
التجربة غير مشجعة..
من جهة أخرى تضيف باعشن لقد قمت شخصياً بالترجمة والطباعة وأوكلت مهمة التوزيع إلى دار نشر محلية وهنا تكمن السخرية، فدور النشر المحلية والعربية لا تتولى تصدير الكتب إلى الخارج حتى وإن كتبت بالإنجليزية. وعليه فكتابي ( Folktales from Saudi Arabia ) يوزع داخل المملكة علّه يقع بالصدفة في يد أجنبي في مطار ما. وقد حاولت بجهدي الخاص إرسال نسخ من الكتاب إلى بعض الجامعات الأمريكية، كما تولى بعض الأصدقاء إهداءه إلى معارفهم في أوروبا وأمريكا.
وبحسرة وتوجع تؤكد باعشن إن التجربة غير مشجعة البتة للاستمرار في الترجمة من العربية كمصدر للإنجليزية كهدف ما دام المصدر لن يوصل للهدف. لكن الحكايات الشعبية بشكل خاص سيأتي يومها في المستقبل، لذا قد أخوض التجربة مرة أخرى وأخرى لأنني أتطلع إلى القادم من الزمن.
مطلب ثقافي
ويقول الدكتور حسن النعمي إن ترجمة الأعمال الإبداعية إلى اللغات الأخرى مطلب ثقافي لا غنى عنه للتواصل مع الآخر، غير أن انتقاء ما يترجم من وإلى العربية يبدو أكثر أهمية من الترجمة ذاتها، ذلك أن المتلقي للترجمة يحتاج لأن يتعرف على الأفضل في الحضارة والثقافة المترجم عنها، من أجل تكوين موقف ثقافي وإنساني بناء عن الثقافة المترجمة.
عشوائية في الترجمة
ويضيف النعمي قائلاً: نلاحظ في ما هو موجود من ترجمات إبداعية من العربية إلى اللغات الأخرى أن هناك عشوائية وأحياناً مجاملة وأحياناً أخرى نلاحظ أن هناك مواد إبداعية لا تصلح للترجمة من الأساس، وذلك من حيث خصوصية متلقيها.
وأشار النعمي إلى أن عشوائية الترجمة تكمن في عدم اتباع منهجية واضحة حيال ما يترجم، فليس هناك منهاج تاريخي مثلاً يقدم الأعمال الإبداعية وفقاً لصدورها التاريخي (الأسبقية)، أو من خلال موضوعات معينة حتى يمكن تكوين تصور ما.
مجهودات فردية فقط
يحدث ذلك في ظل غياب مجهود مؤسساتي لترجمة الأعمال الإبداعية، فكل ما يحدث مجرد ترجمات يقوم بها أفراد دون تنسيق سواء في اختيار الأعمال أو مناقشة مدى ملاءمتها للترجمة أو وقت صدورها أو اختيار اللغة التي يترجم إليها.
مستوى العمل أولاً
وعما بعد الترجمة يرى النعمي أن مسألة رواج الأعمال المترجمة مسألة لها علاقة بطبيعة العمل المترجم أولاً من حيث مستواه وجنسه وتوقيت ترجمته، ثم يأتي ثانياً عملية تسويقه بطريقة تجارية مدروسة، ويؤكد النعمي أنه مهما يكن من هذا الأمر (من ناحية القصور) فإن الترجمة تبقى ضرورية للتواصل مع مراعاة الموضوعية فيما يترجم بعيداً عن الاعتبارات الشخصية أو التجارية البحتة.
استهداف الترجمة ورغبة الآخر
ويرى الروائي عبده خال إن ترجمة أي عمل أدبي ليس بالضرورة أن يتحكم به جودة النص. والعمل المتميز بالتالي يسعى الآخر لترجمته، إلا أنه هناك تحكم المسألة عدة أمور منها التوجه العالمي ورغبة القارئ الغربي في قراءة ومعرفة قطر من الأقطار أو ناحية من نواحي العالم، فبالتالي تصبح الترجمة مستهدفة
ويضيف خال إن الدول الكبرى تستنصر لثقافتها مما يولد الانتماء كفرنسا عندما تنتصر لثقافتها، أما العالم العربي فترجمته ضعيفة، وإذا تمت الترجمة فإنها تتم عن طريق الهوى والحب من قبل مستشرق، أما المبدع السعودي (مسكين) لأن المؤسسات ضعيفة ولا يجد أحداً يصدره ويريد أن يتصدر إلى بلاده من الآخر، لكي يحظى بمكانة أفضل، متسائلاً وماذا يعني أن يترجم لك؟!
ويجيب خال عن هذا التساؤل بتهكم قائلاً صحيح قد تحقق نوعاً من (نرجسيتك) ككاتب، ولكن في النهاية ستكون مهمشاً إذا ما ثابرت وتابعت المشوار الحقيقي.
تحديد المصطلح..
ويرى الدكتور مازن الوعر أستاذ اللسانيات بجامعة أم القرى تحديد المصطلح منذ البداية متسائلا: ماذا يعني العمل الإبداعي؟ هل هو الشعر أم القصة القصيرة أم الرواية؟ ويجيب بقوله أنا لست مع ترجمة هذه الأنواع إلا بشرط نقل الفكرة كما هي دون تشويه من لغتها الأم إلى لغة الآخر، لأن العمل الإبداعي يتجلى في مستويات عديدة بداية من المستوى اللغوي والصوتي والنحوي وكذلك المستوى الثقافي، وأيضاً مستواه الاجتماعي.
ويضرب الوعر مثالاً على ذلك بقوله ماذا يفيد ترجمة عمل إبداعي إذا تناول الصحراء لثقافة لا تعرف الصحراء؟!
ماذا نختار؟
ويؤكد الوعر قائلاً: لا بد أن يكون التوجه نحو موطن الجمال في ترجمة الأعمال الإبداعية ونقل الفكرة إلى الآخر، فهي عملية اختيار أولاً.
من ناحية ثانية يرى الوعر أهمية العناية بما يطلبه العمل الإبداعي ونقل فكرته إلى الآخر، ثم ينبغي على المترجم أن يتصرف بحرية وأمانة في نقل الإبداع.
ويرى الدكتور الوعر أن الغرب متلهف إلى معرفة ما لدينا من منجز حضاري، ويضيف هناك تحمس واندفاع شديدين، ومن هنا فلا بد لنا أن نترجم الأعمال الإبداعية وكل ما يمثل المنجز الحضاري لنا كأمة.
دون المستوى المطلوب
ويرى خلف سرحان القرشي أن الترجمة مازالت دون المستوى المأمول من طموح، كيف نحصل على مستوى جيد ونحن لا نمتلك مؤسسة ثقافية ترعى شئون الترجمة وقضاياها وتهتم بالمترجمين؟
ويضيف القرشي إن ما ترجم من أدبنا إلى لغات أجنبية هو كم بسيط ومتواضع تبناه في الغالب أفراد قلائل حسب رؤاهم واجتهاداتهم الذاتية، ومثل هذا الجهد المشكور من قبل كل غيور على إبداعنا المحلي، إلا أنه يظل أقل من أن يوصل ذلك الإبداع إلى العالمية.
بيئة مختلفة
إن ترجمة عمل أو عملين من إبداعاتنا المحلية ليس كفيلا بأن تجعل منها عالمية تحظى باهتمام القارئ والناقد الأجنبي ما لم تكن الترجمة قد زودت المتلقي الآخر بكمٍ معرفي عن ثقافتنا وبيئتنا، وكل ما من شأنه التأثير في إبداعنا المحلي، حيث أن عملاً محلياً متميزاً لدينا من نظر مبدعينا قد يكون عادياً إذا ترجم إلى لغة أجنبية ليس لأن الترجمة خائنة فحسب بل لأن تميز ذلك الإبداع كان مرتبطاً مع خطوط التماس ببيئة وثقافة وظروف يدركها الناقد المحلي باعتباره ابن البيئة، فيما الأجنبي يجهلها.
ولحل هذا الإشكال ولكي يصل أدبنا المحلي إلى العالمية يرى القرشي تكثيف الجهود ويقول نحتاج لجهد مؤسساتي يعتمد المنهجية العلمية فيما يترجم ووفق خطط طموحة، وهذا مطلب ملح بعد أن أصبح العالم معني بنا أكثر من أي وقت مضى، ومن شأنه استثمار فرصة كبيرة (نقل أدبنا إلى العالمية ممتطين صهوة الترجمة وغيرها من أدوات التفاعل مع الآخر...).
عبده خال
د. مازن الوعر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.