تشكل الترجمة إحدى أهم قضايانا الثقافية المعاصرة وتفيد في التواصل والتعارف بين البشر.. إلا أنه من الملاحظ أن الروايات السعودية التي تحظى حتى اليوم بترجمات لها في الغرب، الذي أبقاها محصورة في الجهود الأكاديمية أو في علاقة الكاتب السعودي الشخصية بالدور الأجنبية.. كما أن من الملاحظ - أيضا - عدم وجود رواية سعودية ترجمت للغة أخرى حققت نجاحاً لافتا وانتشارا يلفت إليه القارئ الغربي للرواية، أو يلفت المتلقي لهذا الفن أو دور النشر إلى المبادرة إلى ترجمة الروايات السعودية. يقول الدكتور معجب العدواني: لا يمكن القطع نهائيا بغياب ترجمات جادة للأعمال الروائية السعودية، كما لا يمكن الجزم بحضور نقيض ذلك. وبين هذا وذاك تحضر جهود فردية في أغلبها تتلمس نقل بعض الأعمال إلى اللغات الأخرى من جانب أو الاهتمام بها في إطار البحث العلمي، ومن الملحوظ أن ترجمة الرواية العربية أو دراستها قد اقتصرت من قبل الدارسين الغربيين على سبيل المثال على نماذج روائية من البلدان العربية الشقيقة التي كانت تمثل أولوية في صدور أعمال روائية مبكرة منذ مطلع القرن الماضي. واضاف العدواني بأنه إذ كانت الرواية العربية في مصر والعراق محط أنظار هؤلاء الدارسين والمترجمين، أو التركيز على أعمال روائي واحد من بلد عربي وتهميش أعمال من سواه.. فإن هذا مما أدى إلى تغييب كلي لإنتاج بلدان عربية في فترات لاحقة في الحالة الأولى، أو تغييب جزئي لإنتاج كتاب آخرين كما في الثانية، وبدا لي أن هذه الاتجاهات قد كرست نقديا في النقد العربي أيضا. وختم د. العدواني حديثه قائلا: مع دخول القرن الجديد وازدهار الكتابة الروائية في البلاد العربية عامة تشظت الاهتمامات بنقد الأعمال العربية وترجمتها، وغابت نظرية المركزية القطرية للرواية، وتلاشى مفهوم الكاتب الأوحد، ومع هذا فقد اعترى بعض الجهود هنات لا تقلل من قيمة الجهد المقدم ولا تستبعده، ولذا فإن التجربة تظل في بداياتها ومن الصعب أن نسارع إلى تقديم الأحكام التي قد تسهم في عرقلة الجهود وحجبها. أما الروائي عبدالله زايد، الذي ترجمت له رواية "المنبوذ" من العربية إلى الأسبانية فاستهل حديثه قائلا: دون شك – بالنسبة لي – أن علاقة المؤلف، لمستوى منتجه الأدبي هي التي تقود منجزه إلى الترجمة.. والمؤلف يقوم - أيضا - بمهام أخرى في هذا السياق ليعوض عجز مؤسساته الثقافية عن خدمته، وبالتأكيد عندما أقول علاقاته فانا أضرب مثالا بقصة وقعت لي خلال بحثي عن ناشر لرواية "المنبوذ" ففي ذلك الوقت كانت مشكلتي تنحصر في إيجاد دار نشر تقوم بطباعتها ونشرها دون أن أتحمل تكاليف مادية، وعندما شكوت حالة الاستغلال التي نجدها من دور النشر لصديقة من أصول عربية تعيش في أسبانيا بادرت بترجمة بضع صفحات من الرواية وقدمتها للروائية الاسبانية "روسا ريغاس" التي كانت تعمل مديرة للمكتبة الوطنية في مدريد، فدعمتها وكتبت مقدمة لرواية "المنبوذ". وأضاف زايد بأنه غني عن القول إنه بفضل هذا الدعم تمكنت من نشر روايته مجانا، مردفا قوله: اليوم أعيد طباعتها ثلاث مرات، فالعلاقة الشخصية هي التي ساعدتني على تجاوز مشكلة النشر، بل قدمت لي ترجمة للغة عالمية وبكلمة من روائية عالمية ورؤية نقدية من روائي أسباني متخصص، وأنا على يقين بأنه يوجد عدد من المبدعين والمبدعات في مجال الكتابة والتأليف أفضل مني، ومنجزاتهم الأدبية قد تكون أكثر تأثيرا من رواية المنبوذ، لكنهم لا يعرفون من يساعدهم، وقد تبقى مؤلفاتهم حبيسة الأدراج لكن التساؤل لماذا نلجأ للعلاقات الشخصية والاستجداء؟. وعن أسباب هذا الواقع قال زايد: يظل السبب غياب العمل المؤسساتي الرسمي الواضح المنظم الداعم بحق للمنجزات والإبداعات، رغم الدعم الكبير الذي توليه قيادتنا الرشيدة للمؤسسات الثقافية، إلا أنه مع الأسف الذي يحدث الآن بعيد تماما عن الوصول لكافة الشرائح الأدبية في بلادنا، فالسواد الأكبر ممن يكتب ويؤلف غائب ويعمل لوحدة وبألم وحزن، وإذا قررنا أن نقيم وأن ننشئ برنامج ترجمة لنشر الأدب السعودي عالمياً، فمن وجهة نظري لن يكتب له النجاح إلا إذا تم تكوينه على أساس مؤسساتي معلن قائم على معايير محددة وضوابط واضحة، وفريق اختيار المنجزات الأدبية يتكون من أسماء كبيرة تكون حريصة على تاريخها ومسيرتها، وعرف عنها الحيادية وبعدها عن الشللية والذاتية، هذا إذا كنا نريد فعلا تقديم أدب سعودي راقٍ متميز للعالم أدب يجد القبول، أما المجاملات والمحسوبيات فلن تحمل اسم الوطن الحبيب للمحافل العالمية. من جانب آخر وصفت المترجمة والقاصة تركية العمري التي ترجمت قصصاً كثيرة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، والتي تكرس جهودها لإصدار ترجمة جديدة عن كاتبة أمريكية تحدثت عن هذه الظاهرة قائلة: إن دور وزارة الثقافة والإعلام دور كبير في ذلك ولكني لم أره، دورها الذي أتمنى أن تقوم به، أن تشكل مجموعة ،وليس " لجنة " أو " هيئة " من المترجمين والمترجمات لترجمة الأدب السعودي كما يحدث في الأمم المتقدمة، بالإضافة إلى عقد ورش عمل للترجمة الأدبية للاحتفاء بالكتّاب الذين ترجمت أعمالهم، إلى جانب ترجمة الأعمال الإبداعية المتميزة من أدبنا السعودي، شريطة أن يتم ذلك وفق معايير دقيقة لا تتدخل فيها الأهواء آو العلاقات الشخصية أو المناطقية، إضافة إلى تكريم دور النشر العربية أو الأجنبية التي ترجمت شيئاً من الأدب السعودي ، والاحتفاء بالمترجمين السعوديين من الجنسين. وعن غياب " التوصيات بالترجمة" التي ما يزال يرددها المنتدون في العديد من المؤتمرات المهرجانات قالت العمري: ربما لأن أغلب القائمين على تلك المؤتمرات والمهرجانات الخاصة بالترجمة بعيدون بفكرهم وخططهم عن التحديث الثقافي وعن العولمة وحركتها الإبداعية ومن ثم الثقافية، لكون الترجمة فعلا إنسانيا إبداعيا عالميا، قادرا على أن يحدث التغيير والتطور والنمو الثقافي لدي المجتمعات وهذا معروف منذ زمن بعيد، حيث ازدادت أهميته في الوقت الحاضر . كما تحدث الروائي عواض شاهر العصيمي عن غياب ترجمات الروايات السعودية قائلا: : حتى الآن لا أجد دورا فاعلا لوزارة الثقافة الإعلام يمكن الإشارة إليه في ترجمة أي شيء. وبشكل عام، لا تزال ترجمة الروايات المحلية تكاد لا تذكر، وما يترجم منها، وهو قليل للغاية، يتصدى له أفراد وليس مؤسسات متخصصة في الترجمة ومعترفا بها، فأحياناً ما يبادر المؤلف المحلي إلى ترجمة بعض أعماله أو ترجمة فصول منها بمجهوده الذاتي كأن يبحث عن مترجم ذي خبرة ودراية في اللغتين ويتفق معه في نقل نصوصه إلى لغة الآخر. وعن توصيف العصيمي لهذا الواقع قال: ليس لدينا - مع الأسف- رؤية استراتيجية حتى الآن تعنى بإيصال آدابنا وثقافتنا إلى لغات العالم والتعريف بمبدعينا في المحافل الثقافية الدولية.. فلقد وصلت إلينا من أميركا اللاتينية ومن اليابان والصين ودول أوربا وغيرها إبداعات عالية القيمة وخاطبتنا في بيوتنا بعد ترجمتها إلى لغتنا وأدهشنا الكثير منها وصار بعضنا يعرف عن كولومبيا والبيرو والسلفادور وطوكيو وشانغهاي وجنوب أفريقيا ونيجيريا وغيرها، الكثير من التفاصيل في حين معظم العالم لا يكاد يعرف عنا إلا في المجلات الإبداعية إلا ما ندر من جهد فردي هنا أو آخر هناك. أما الناقد محمد العامر الفتحي فقد استهل حديثه مشيرا إلى أن الغرب ليس عليه أن يهتم بما ننتجه بقدر ما علينا أن نلوي عنقه إلينا بنتاج يستحق التوقف عنده، مؤكدا أن الانتشار حقّ ثقافي يجب أن نتشبث به، وأن يتجاوز الروائيون الرغبة المادية لبعض دور النشر والسعي العبثي من البعض لاستغلال العلاقات الشخصية التي وصفها الفتحي بعوامل الدم التي لا تستطيع في النهاية أن تحجب ضوء المنافع الكبرى للترجمة في ضوء ما رأيناه من ترجمات رصينة لروايات تستطيع إيصال صوتنا الثقافي إلى مسامع الدنيا. وقال الفتحي: بغض النظر مؤقتا عن مسألة الانتشار التي ستبقى رهينة تراكم التجارب، وهو همٌّ رزح تحته من قبل نجيب محفوظ في مقابل ماركيز مثلا على تشابه ظروفهما، واشتكى ثقله نصر الله وسواه من المترجم لهم ، لكنني أرى أن تراكم التجارب سيؤدي في النهاية إلى سد الفجوات الثقافية وكشف غطاء الخلفية التاريخية مثلا التي تحملها الرواية المترجمة ويجهلها الآخر ، مع الظن بأن المؤتمرات ستبقى خالية الوفاض من النجاح ما دامت جاهلة بأهمية تحويل التوصيات إلى أفعال، وعلى الهيئات الثقافية تقع مسؤولية الانتقاء دون تحيز إلا للصوت الثقافي القوي . عبدالله زايد محمد العامر