رحب السواد الأعظم من أبناء الشعب السعودي على اختلاف ثقافاتهم وتوجهاتهم الفكرية بالحوار الوطني من حيث الأهداف والتوقيت وذلك من عدة منطلقات من بينها الحاجة الى الحوار بين المواطنين على اختلاف ألوان الطيف القبلي والفكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي لتقريب زوايا الرؤية إزاء القضايا المطروحة واذابة جليد الشك وسوء الظن والكراهية بين الأطراف المتحاورة .. وما يترتب على الحوار من تأثير إيجابي للتوصيات المتفق عليها عندما تأخذ طريقها إلى ارض الواقع ودورها في تحقيق المصلحة العامة والتلاحم الوطني.. وكان الترحيب أكثر عندما انطلق الحوار الفكري الأول الذي عقد في الرياض من الحوار الى التأسيس المتمثل في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وامانته العامة. @ وكنت قد نشرت في (اليوم) الغراء مقالين عن اللقاء الثاني للحوار الوطني .. الأول قبل انعقاده وكان بعنوان: (من أجل حوار وطني ناجح) والثاني بعد انتهاء المؤتمر وصدور توصيته وحمل عنوان ( من الحوار الى التأسيس) طرحت فيهما وجهة نظري منطلقا من تقديري لهذا الإنجاز وابعاده ومكاسبه حاضرا ومستقبلا .. ودعوت الى نشر ثقافة الحوار .. واحترام الاختلاف والاعتراف به .. وتأصيل روح النقد الموضوعي وحرية الرأي مع الالتزام بالثوابت الدينية والوطنية والسياسية.. وتفعيل التوصيات لتأخذ طريقها الى ارض الواقع وإلا أصبحت حبرا على ورق وهو ما يرتضيه ولاة الأمر من خلال حرصهم الواضح والمتجدد على تحقيق الأهداف المرجوة من الحوارات الوطنية ومركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الذي أنشئ من اجلها ودعوت الى استكمال بنيته التحتية واعلان نظامه الأساس واعتماد برنامج زمني وآلية لتنفيذ التوصيات لتفعيل ما هو مطلوب منه. @ ولقد سعدت بتسلم رسالة كريمة من الأستاذ فيصل بن عبد الرحمن المعمر الامين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني أسوة بالاخوة الكتاب الذين تناولوا شؤون وشجون الحوار الوطني عبر فيها عن تقديره لما طرحت من مقترحات وآراء تحليلية نقدية لمسيرة الحوار الوطني مشيرا الى انها(ستكون باذن الله محل الدراسة والعناية والاهتمام والتقدير والمراجعة) معربا عن أمله في (استمرار التواصل الثقافي الفكري والتعاون البناء مع المركز) للاستفادة منها(خلال خطط المركز الحالية والمستقبلية). @ وللحق لم أكن مجاملا في طروحاتي بل كنت ناقدا موضوعيا انطلاقا من أمانة الكلمة ومسؤولية الحرف لكن ما استأثر بإعجابي وتقديري في آن رحابة الصدر .. وسعة الأفق .. والثقة بالنفس التي لمستها في ثنايا العبارات الرشيقة التي طرزت الرسالة مما عزز في نفسي اليقين بان اجتهادات الكتاب لا تذهب دوما أدراج الرياح وأن هناك من المسؤولين من يأخذ الرأي المخالف بنية حسنة ورغبة صادقة في التعامل الإيجابي مع ما يطرح دون حساسية أو تشكيك وسوء ظن .. وهي روح يفتقدها بعض المسؤولين الذين يأخذون بعض ما ينشر على نحو سلبي ويفسرونه تفسيراً سطحياً وشخصيا لا يمت إلى الواقع بصلة .. وهو ما يشاهد في ساحة الشأن العام من أولئك الذين يعانون تضخم الذات الذين تضيق صدورهم بالنقد مهما أوغل بالموضوعية والمنهجية .. يفترضون سوء النية و(الإثارة) عندما يرشقهم قلم ناقد فيلتزمون صمتاً كصمت القبور تعبيراً عن موقف الرفض .. والشجب متناسين أو متجاهلين أن كل شيء إلى نهاية كما الحياة !! مثلهم في ذلك مثل أمين محافظة كادت نفاياتها تتسبب في كارثة بيئية لولا لطف الله في أعقاب تسليم مقاول النظافة القديم المهام إلى المقاول الجديد .. وعندما تعرض لأكثر من نقد بسبب ما آلت إليه حالة النظافة والصحة العامة في المحافظة فاض به الكيل فأرغى وازبد وأطلق تصريحا عنجهياً قال فيه : ( أنا لا أكترث بنعيق الغربان)! صحيح أن بعض الطروحات تفتقد المنهجية والموضوعية وقد تشتم منها أغراض شخصية .. أو النقد لمجرد النقد لكن هذه الصورة غير السوية يمكن أن تفتح أبواباً واسعة للحوار وطرح الرؤى الواضحة والصريحة للحؤول دون أن (تعشعش) الصورة السلبية في أذهان البعض وحينها لا يجدي تصريح مسؤول .. ولا تنفع مهارات ومجاملات مدير الإعلام والعلاقات العامة !! @ اتطلع بكل الشوق إلى اللقاء الثالث للحوار الفكري .. وآمل أن يستقر الرأي على أن يكون موضوعه (حقوق المرأة وواجباتها) وهو أحد المواضيع التي أوصى المشاركون باختيار واحد منها وأن ترتفع نسبة المشاركة النسائية عن مثيلتها الضئيلة في اللقاء الماضي و (تفعيل دور المرأة في الشأن السعودي العام) وأن يحترم الجميع أدب الحوار .. وأن لا تتكرر تلك التجاوزات التي سمع وقرأ كثيرون عنها والتي لا تتفق مع صورة الوقار والعلم والفضل .. وأن لا تغلق الأبواب في وجوه الإعلاميين والصحفيين بصورة خاصة وأن تكون اللجنة الإعلامية أفضل من سابقتها ... وأن لا تتكرر تلك المسميات الممجوجة مثل: (الضغوط الإعلامية) و (الغوغائية) و (الإثارة) كما آمل أن لا (يفجر) د. عبد الله نصيف نائب رئيس اللقاء تصريحا يهاجم فيه الإعلام دون أن يستثني كما فعل في اللقاء السابق وهو الذي دعا إلى الالتزام بآداب وضوابط الحوار ونسي أن للنقد آدابا وضوابط أيضا !! وأن تتسع دائرة الحوار بحيث تشمل جميع الفئات السعودية. @ إن الحوار (يصنع ثقافة الحب) على حد تعبير أستاذي الجليل عبد الله الحصين .. وقد شاءت إرادة الله تبارك اسمه أن تجمع أبناء هذا الثرى الطيب تحت راية الإيمان .. واللغة .. والهوية.. الانتماء و.. وحقائق الجغرافيا والتاريخ .. ورابطة الدم .. ووحدة المصير .. وما أحوجنا اليوم والوطن يعيش أوضاعا استثنائية إلى الحب وثقافته .. وابجدياته .. ومفرداته من أجل مزيد من التراحم .. والتلاحم والانصهار .. والتفاعل الإيجابي في نسيج وطني واحد لتفويت الفرصة على أعداء الوطن من المتربصين والمتصيدين. @ إن الحوار في حد ذاته .. وفي ظل آدابه وفضائله وضوابطه ليس غاية .. لكنه وسيلة لتهيئة الأرضية الصالحة للتفاهم بين أبناء الوطن الواحد على تعدد مشاربهم وتياراتهم دون إلغاء أو إقصاء أو احتواء بلا شروط أو قيود أو حدود .. حوار سمته الحب .. وعلامته الفارقة الثقة.