كل الناس يمرون بوقت تعارفوا عليه ب (وقت الفراغ) وهذا الوقت يعني عند كثير من البشر, الخلو واللاشيء.. بل ربما يعني الكساد.. والكساد - والعياذ بالله - نقمة ووقت الفراغ ليس كذلك.. وانما هو نعمة اذا صرف في الخير, فالكيس من اغتنم فراغه قبل شغله.. اغتنمه بالبناء والجد والعمل.. فالاجازة - التي هي الفراغ من العمل - لا تكون اجازة ممتعة الا اذا ملأتها بالعمل المثمر, وملأت كل دقائقها بالفعل الذي لا تستطيع ان تفعله اثناء شغلك, وغالبا ما يكون هذا العمل متميزا خارجا عن الروتين اليومي, ينضح بالابداع الذي يستمد شخصيته من شخصيتك ويكون امتدادا لها فالمنتجون في اعمالهم اليومية الروتينية يشكون من فقدان هذا الوقت الثمين - الفراغ الابداعي, يبحثون عنه في حنايا اعمارهم فلا يجدونه, انه العملة الصعبة.. بل انه العملة النادرة, لذلك تجدهم يعانون اضطرابات نفسية وربما عصبية.. بل ربما عقلية. وما ذلك الا لعدم وجود وقت الفراغ الثمين الذي يجعلهم - لو توفر - يتوازنون نفسيا ويتصالحون مع انفسهم.. ويعيدون شحناتهم الحياتية ولياقتهم العقلية.. فتتسع زاوية الرؤية في انظارهم فيتعاطون جمال الحياة ومباهجها المباحة ويؤدون واجبات منعهم من تاديتها روتين الحياة الشاغل الممل. فيا عزيزي القارئ.. اذا كان لديك (وقت فراغ) فهل انت تملكه ام هو الذي يملكك؟ ان كنت انت الذي تملكه.. فستسخره لصالحك وسيملأ عقلك حكمة وعلما وسيملأ نفسك طمأنينة وراحة وسيملأ قلبك حبا للحياة وروحك سعادة. وان كان العكس.. اي هو الذي يملكك فانه سينزلق بك الى دركات لا تحمد عقباها, ابسط منازلها الكآبة من جراء احساسك بالضياع والتشرذم والتشتت والاحباط. الوقت هو الحياة دون شك.. اذن هو اغلى ما يملكه الانسان.. ووقت العمل ملئ بما يشغله.. فلا خيار لك فيه اما وقت الفراغ فانه المكسب الحقيقي.. فكم من عظماء التاريخ صنعهم وقت الفراغ, وصنعوا في وقت الفراغ ما نفعوا به انفسهم, ونفعوا به الانسانية.. ودخلوا به التاريخ من اوسع ابوابه. تأملوا.. وفكروا.. وعملوا.. وانتجوا وتسنموا المراتب العليا وصاروا يشار اليهم بالبنان فكان هذا الفراغ نعمة حرمها غيرهم من البشر, فقل لي ماذا تصنع في وقت فراغك.. اقل لك من انت الآن.. ومن انت في المستقبل. ان الحياة اقصر من ان نضيع وقت فراغها في اللهو واللعب.. ولعب الورق ومشاهدة ما لايفيد من المشاهد التلفازية.. او الجلسة على المقاهي طوال وقت الفراغ. قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ان الليل والنهار يعملان فيك.. فأعمل فيهما ولقد صدق في قوله.. وجاء في الاثر: ان من كان يومه كأمسه فهو مغبون. ومن الخطأ المشاع عند كثير من الناس انهم يرون الوقت الفاصل بين عملين (وقت فراغ) فراغ بمعناه العرفي.. اي خال.. والحقيقة انه اثمن الوقتين.. لانك تملكه.. وتستطيع ان تشحنه بالانتاج ويشحنك بالطاقة, تشحنه بالابداع ويشحنك بالسعادة فهو - اي الوقت - ليس كالسيف لانه يفتت السيف.. وليس كالذهب لانه ياتي بالذهب ولكنه ليس عند كل فارغ.. وانما عند المتأمل وعند من عرف قيمة نفسه وقيمة وقته.. بل قيمة حياته.. فهل انت هذا المتأمل.. العارف قيمة نفسه وقيمة دقائق حياته؟