مع تباشير العام الهجري الجديد، يقف المرء متفكراً ومتأملاً في السنوات التي تركها وراء ظهره، وسيجد الصور والمواقف تتداعى بين عينيه، فيها المفرح والمحزن، والجميل والقبيح، والعسير واليسير، والوقوف على أطلال الذكريات ليس المقصود منه التحسر والتوجع ولا التفاخر والتكبر، وإنما تبرز أهميته ويتجلى دوره عندما ننجح في أن تكون هذه الذكريات «وقوداً» لصفحة جديدة وإنجاز واعد ومشاريع مستقبلية، نتلافى فيها أخطاء الماضي، وننمي فيها منجزاته ومكاسبه. إن المسلم الواعي بحقيقة دوره في الحياة، يدرك أن الكسل والتسويف أكبر عائق للنجاح والسعادة، ولذا جاء التحذير النبوي بأهمية اغتنام الإنسان للأوقات قبل أن تدهمه ظروف وأحداث تمنعه من إنجاز ما يأمله ويتمناه، حَيثُ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اِغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ». إن افتراض ديمومة الحياة على وتيرة واحدة في الفراغ والصحة والشباب هو من يدفع الإنسان لتأجيل الأعمال المهمة لموعد قادم قد لا يأتي أبداً!! وإنما هو لون من ألوان الهروب النفسي يلجأ له الإنسان؛ لتبرير حالة العجز والقعود عن إنجاز واجباته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه. إن ركيزة تحول الإنسان إلى حياة مفعمة بالنشاط والحيوية والإنجاز أن تجتمع لديه الرغبة في التغيير مع الإرادة الجازمة والحازمة للتغير، فالرغبة دون إرادة هي أماني المفلسين، ولهذا عندما تسنح الفرصة لك بالجلوس مع بعض هؤلاء سيردد على مسامعك أنه كان من المفترض أن يكون وحيد عصره وفريد زمانه لولا الظروف والمجتمع الذي لم يقدّر مواهبه الفذة، وفي الغالب ستجد أن مشكلة جليسك لم تكن سوى تدنياً في الهمّة وغياباً للتربية الجادة. يقول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : «لا تَزُول قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ؟ وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟ وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ؟ وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ» من استشعر هذا الحديث النبوي العظيم ووضعه بين عينيه، لن يملك إلا أن يكون إنساناً جاداً منتجاً ينتقل من ذروة نجاح في عبادته وعمله إلى ذروة أخرى في أسرته وأهله؛ لأنه يُدرك أن ثمة وقفة ربانية سيُحاسب فيها عن كل ساعة قضاها على ظهر هذه الأرض.