اوصى امام وخطيب المسجد الحرام في مكةالمكرمة فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب المسلمين بتقوى الله عز وجل حق تقاته الذي يعلم السر والنجوى وقال: أن العبد في الدنيا بين مخافتين بين اجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه واجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليأخذ العاقل من نفسه لنفسه ومن دنياه لاخرته ومن الفراغ قبل الشغل فما بعد الموت من حيلة وما بعد الدنيا الا الجنة أو النار. واوضح فضيلته في خطبة الجمعة التي القاها أمس أن احوال الانسان تتقلب في هذه الدنيا بين صحة ومرض وشغل وفراغ وتعب واسترواح وجد وفتور مشيرا إلى بدء الاجازة السنوية هذا العام مع انتهاء العام الدراسي. وقال: انطلاقا من واقعية الإسلام وشموليته وتوازن احكامه واعتدال تشريعاته فقد اقر بحق النفس والبدن في اخذ نصيبهما من الراحة والاستجمام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «ان لبدنك عليك حقا وان لاهلك عليك حقا وان لزوجك عليك حقا فاعط كل ذي حق حقه» والنفس قد تسأم من طول الجد والقلوب تتعب كالبدن إلا أن هذا الترويح لا يخرج عن دائرة المباح وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح ويداعب ولا يقول الا حقا وقد سابق عائشة رضي الله عنها وداعب الصبيان وحث على ملاعبة الزوجة وهذه بعض الجوانب المباحة من اللهو المباح والترفيه الذي لا يستهلك كل الوقت ولا يكون ديدن الانسان ولا يخرج عن طوق المباح. واوضح فضيلته أن ادخال السرور على النفس والتنفيس عنها وتجديد نشاطها من الامور المعتبرة في الشرع واللهو المباح في الإسلام هو ما لا يخالف قواعده ولا شريعته فلا يكون محرما أو ذريعة لمحرم ولا يصد عن واجب.واذا كانت الاجازات امرا واقعا فان المسلم الواعي لا ينبغي أن يغفل عن امرين مهمين الاول منهما أن وقت الاجازة جزء من عمره وان الوقت هو الحياة والاجازة لا تعني الفراغ والبطالة والامر الثاني أن التكاليف الشرعية لم تسقط عنه فالانسان مطالب باستفراغ وقته كله في عبادة الله تعالى وهي الغاية التي خلق لها قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ولا يعني هذا ملء جميع الاوقات بالصلاة والصيام والجهاد بلا فتور ولا توقف بل المقصود انه لا يخرج عن طاعة ربه في اي حال من الاحوال ولا يخرج عن تكليف فهو مأمور ومنهي ولا يوجد وقت يكون فيه خارجا عن التكليف يتصرف كيف يشاء فهو دائر بين الواجبات والسنن والمباحات وهو في اقل الاحوال مكلف بالابتعاد عن منطقة الحرام مهما كان. وبين أن الاجازة ليست وقتا مقتطعا على هامش الحياة بل هي جزء من العمر الذي لا يملكه الانسان بل يملكه الله الذي خلقه ليوظفه الانسان في طاعة مولاه لذلك حرم عليه أن يهلك عمره ووقته باي صورة ولاي سبب وقد قال الحق سبحانه: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً} مع أن المنتحر لم يقتل سوى عمره ووقته وهذا يفسر مسؤولية الانسان عن عمره امام خالقه كما في الحديث الذي رواه الترمذي في سند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن اربع عن عمره فيما افناه وعن شبابه فيما ابلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من اين اكتسبه وفيما انفقه». وقال: أن كل انسان محاسب عن ساعات عمره فيما امضاه وبناءا عليه ندرك أن المفهوم الشرعي للوقت لا يجعل للانسان الحق في اضاعة وقته وندرك ايضا عظمة الوقت باقسام الله تعالى به وباجزائه: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} وحين اقسم الله تعالى بالليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ونوعي الخلق من الذكر والانثى قال: {إن سعيكم لشتى} وحين اقسم بالشمس وضحاها والقمر والنهار والليل والنفس قال: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } في اشارة من هذه الايات إلى أن الوقت مادة الحياة وان سعى الناس فيها مختلف فمنهم من يزكى نفسه وينميها بالخير ومنهم من يهبطها إلى اسفل الدركات بتفريطه وعصيانه. وقال امام وخطيب المسجد الحرام في خطبته: «إن العاقل من تفكر في امره وراى أن تصرم ايامه مؤذنا بقرب رحيله طال عمره ام قصر فاحتاط لامره واجتهد في يومه واستعد لغده ما الوقت الاحياة الانسان وعمره الذي هو انفاس تتردد واماله التي تضيع أن لم تتحدد الوقت ثمين ونفيس وما مضى منه فلن يعود ولا الزمان بما مضى منه يجود فكم من غافل يبيع اغلى ما يملك وهو الوقت بابخس الاثمان فالوقت منصرم بنفسه منقض بذاته ومن غفل عن تداركه تصرمت ايامه واوقاته وعظمة حسراته ينقضي العمر بما فيه فلا يعود الا اثره فاختر لنفسك ما يعود عليك ولهذا يقال للسعداء: {كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية} ويقال للأشقياء المعذبين: {ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها} وللانسان يوم أن يندم فيهما على ما ضيع من اوقاته ويطلب الامهال فالاول في ساعة الاحتضار وذلك حين يقول: {رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} فيكون الجواب {ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها} والوقت الثاني والموقف الثاني في الاخرة حين يدخل اهل النار النار مستشهدا بقوله تعالى: {وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل}. واكد بان الحفاظ على الاوقات واستثمار الاعمار يحتاج إلى حزم وعزم وهمة وقوة ارادة اما البطالة والكسل فهي داء وبيل ومرض خطير تنعكس اثاره السيئة على الافراد والمجتمعات ويسبب الخمول والفقر والتخلف المادي والمعنوي ويؤدي إلى الرذالة والمنكرات وان يكن الشغل مجهدة فان الفراغ مفسدة ومن اكثر الرقاد عدم المراد ومن دام كسله خاب امله وقل لمن يلتمس الملاهي لصرف وقته اراك تحسب الحياة لهوا فهل تحسب الموت لهوا وقل لمن يصرف الايام بين الاوهام والاحلام أن كنت تجهل مقدار ماتضيعه من الزمن فقف بالقبور ملتمسا من سكانها برهة من الوقت لتعلم انه العزيز الذي لا يملك والفائت الذي لا يستدرك وكم من قائل ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت فيقال كلي أن العمر لا يعود.ان الفراغ لا يبقى فراغا ابدا فلابد أن يملا بخير أو شر ومن لم يشغل نفسه بالخير شغلته بالباطل وقد كان السلف يكرهون من الرجل أن يكون فارغا لا هو في امردينه ولا هو في امردنياه واذا اجتمع مع الفراغ صحة ومال صار خطرا أن لم يشغل بالخير وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ». وقال فضيلته: «اذا لم يكن للمرء غرض صحيح يسعى اليه وهدف سليم يطلب تحقيقه والوصول اليه ضاع زمانه وما اتعب من يمشي بلا مقصد والانسان بلا غرض كسفينة ليس لها قائد تتقاذفها الامواج حتى تهلك والايام صحائف الاعمال فخلدوها باحسن الاعمال والفرص تمر مر السحاب والتواني من اخلاق الخوالف ومن استوطأ مركب العجز عثر به واذا اجتمع التسويف والكسل تولد بينهما الخسران. بكى احد الصالحين عند موته فقيل ما يبكيك وانت العبد الصالح قال ابكى على يوم لم اصمه وليلة لم اقمها والواقع أن كل من دنى اجله ندم على كل لحظة مرت بلا عمل صالح محسنا كان ام مقصرا فهلا تداركنا اعمارنا انك لترى في القرون الاولى خير القرون حرصا شديدا على اوقاتهم فاق حرص البخيل على ديناره ودرهمه مما كان حصاده علما نافعا وعملا صالحا وجهادا وفتحا وعزا وحضارة راسخة الجذور باسغة الفروع ثم إذا نظرت إلى واقع كثير من المسلمين ايوم انقلب إليك البصر حسيرا. حين ترى اضاعة الاوقات وتبذير الاعمار جاوز حد السفه إلى العسف حتى غدوا في ذيل القافلة بعد أن كانوا اخذى زمامها. واضاف فضيلته قائلا: ومن بورك له في عمره ادرك في يسير الزمن من منن الله تعالى مالا يحصى وكم من موفق لاعمال كبيرة في ازمنة يسيرة حتى انك لتحسب انجازاتهم ضربا من الخوارق وما وهو الا التوفيق والبركة واستثمار الوقت فيما ينفع وخير مثال لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اخرج الناس من الظلمات إلى النور وغير وجه التاريخ في ثلاث وعشرين سنة وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يواصل ليله بنهاره يقول أن نمت الليل ضيعت نفسي وان نمت النهار ضعيت رعيتي فكيف النوم بين هذين. وقال ابن عقيل رحمه الله «اني لا يحل لي أن اضيع ساعة من عمري حتى إذا توقف لساني عن مذاكرة أو مناظرة وبصري عن مطالعة اعملت فكري في حال راحتي وانا مستطرح فلا انهض والا وقد خطر لي ما اسطره» لذا فقد الف كتابه الفنون الذي قال عنه الذهبي رحمه الله لم يؤلف في الدنيا اكبر من هذا الكتاب -وقال ابن القيم عن شيخه وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه واقدامه وكتابته امرا عجيبا فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وقال الذهبي أن تصانيفه تبلغ خمسمائة مجلد هذا مع ما يقوم به من تعليم ودعوة وجهاد وعند الترمذي بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من خاف ادلج ومن ادلج بلغ المنزل إلا أن سلعة الله غالية إلا أن سلعة الله الجنة». وخاطب فضيلة الشيخ صالح آل طالب شباب الإسلام قائلا: أن مصائب امتكم تترى وجراحها لم تزل حرا إلا أن جرحها النازف وداءها الدوي أن يكون مصابها في شبابها في قناعاتهم وتفكيرهم ومعتقداتهم وسلوكهم وحربهم وسلمهم ومصيبتها أن ينصرف شبابها عن سرب فيه العلماء والشيوخ والحكام واصحاب الرأي ممن يوازنون المصالح ويدافعون اعظم المفسدتين باخفهما شرود تكون نتيجته جز لاعناق ودماء تسفك وتراق في مواجهات ترى طرفيها مسلمين وساحاتها بلاد الحرمين لقد عذل العاذلون ونصح الناصحون وبين العلماء الراسخون فهل انتم منتهون.وتساءل فضيلته كم اريق من دماء كان احرى أن تصرف للبناء سائرين على سنن خاتم الانبياء فنداء من مشفق ناصح لمن فارق الجماعة أن يعود ولمن اخطأ هل يتوب ولمن ظن به ظن يخالف واقعه أن يسلم ليسلم ويزيل ما التبس ليأمن والشجاعة ضروب في ذراها الاعتراف بالخطأ وتحمل تبعاته واملنا وظننا أن تجدوا تفهما وحكمة وعذرا ورحمة والا فكفارات للذنوب وماحيات للخطايا وكلا الامرين خير للمسلم من التمادي في الخطأ والامعان في العناد وما قدره الله كائن وله سبحانه الامر من قبل ومن بعد.