يقول المولى عز وجل في الآية 180 من سورة آل عمران (ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة). ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي عن الترمذي (خصلتان لا تجتمعان في مؤمن : البخل وسوء الخلق). ويصف الامام الحسن البصري رحلة البخيل في دنياه واخرته قائلا : (لا اشقى بماله من البخيل لانه في الدنيا يهتم بجمعه، وفي الآخرة يحاسب على منعه، غير آمن في الدنيا من همه، ولا ناج في الآخرة من اثمه، عيشه في الدنيا عيش الفقراء وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء). جميعنا لا بد وانه قرأ، او سمع بعضا من قصص البخل والبخلاء الذين شكل جشعهم وطمعهم موضوعا للعديد من كتب تراثنا العربي يأتي في مقدمة اولئك (أبو الاسود الدؤلي، والحطيئة.. وغيرهما ممن شكلت سيرتهم مواضيع للتفكه تارة، وللعبرة تارة أخرى. يروى ان اعرابيا قد وقف على ابي الاسود الدؤلي وهو يتغذى، فسلم، فرد عليه الدؤلي السلام، ثم اقبل علي يأكل من اكل امامه دون ان يعزم على ذلك الاعرابي كما جرت العادة على ذلك. اراد الاعرابي ربما لجوع ألم به، او ربما لسبب آخر ان يلفت نظر الدؤلي الى وجوده فاختار اهله محلا للحديث قائلا : اني قد مررت بأهلك، فرد عليه الدؤلي باقتضاب ولا مبالاة : كذلك كان طريقك، قال الاعرابي : وامرأتك حبلى، رد الدؤلي : كذلك كان عهدي بها قال الاعرابي مبشرا : قد ولدت، فرد الدؤلي بعدم اكتراث : كان لابد لها من ان تلد، قال الاعرابي : وقد ولدت لك غلامين، قال : كذلك كانت امها، قال الاعرابي : مات احدهما، قال : ما كانت تقوى على ارضاع الاثنين، ثم قال : ومات الآخر، قال الدؤلي : ما كان يبقى بعد موت أخيه، قال الاعرابي : ثم لحقت الام بولديها فرد الدؤلي كمن يقرر حقيقة قائلا : حزنا على ولديها، قال : ما اطيب طعامك ! قال : لاجل ذلك اكلته وحدي، والله لا ذقته يا اعرابي. اما صنوه (الحطيئة) فقد روت كتب التراث له العديد من القصص التي تنم عما بلغه الرجل من بخل اصبح مضرب المثل منها ما يحكى بأن اعرابيا يقال له ابن حمام قد مر به وهو جالس بفناء بيته فقال له : السلام عليكم، فقال : قلت ما لا ينكر. قال : اني خرجت من اهلي بغير زاد. قال : ما ضمنت لاهلك قراك. قال : افتأذن لي ان آتي بظل بيتك فاتفيأ به؟ قال : دونك الجبل يفيء عليك. قال انا ابن حمامة. قال : انصرف وكن ابن اي طائر شئت. من هنا فجميعنا وباستثناء ذلك البعض الشاذ جدا جدا - يأنف من اطلاق هذه الصفة (الذميمة) ذات الواقع الاجتماعي السيىء جدا عليه. كيف لا، والانسان البخيل هو شخص اقل ما يوصف به انه (جاحد) و(ضان) و(ناكر) بما وهبه الله من خيراته على نفسه واهله قبل مجتمعه ووطنه. يوقف البعض صفة البخل على ذلك الشخص الذي تمكن منه حب (جمع المال) حتى ليكاد يصبح همه وسلوته الوحيدتين في الحياة، من هنا افلا غرو ان اصبح ضنه بما يملك من مال حتى في حالات الضرورة القصوى التي يكون فيها الانفاق (واجبا اسريا واجتماعيا) امرا يكاد يكون متوقعا، وهو ما أراه مفهوما قاصرا جدا لسلوك (البخل) ، لاسيما وان صفة البخل هي في التحليل النهائي سلوك وممارسة فرد يعتبر (الجانب المادي) فيه واحدا من جوانبه ليس الا ولعلي اقف برهة هنا لاورد بعضا من نماذج شتى لسلوكيات بشرية هي اشد في بخلها من ذلك الذي ادمن كنز المال. ترى كيف يمكن لنا ان نصف سلوك هذا الذي يضن حتى بابتسامته على الآخرين معتقدا ان مقابلته لهم بذلك الوجه المكفهر ذي الجبين المقطب الذي ارتسم عليه كل (غضب الدنيا) هو امر (طبيعي جدا) موردا في اسباب ذلك مجموعة من حجج واهية هي اوهن في منطقيتها من بيت العنكبوت منها انشغاله وتفكيره الدائمين في شئون الحياة تارة، وفي مسئولياته الاجتماعية تارة اخرى متناسيا في ذلك قول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم من ان تبسم الرجل في وجه اخيه (صدقة) أليس هذا - اعزائي القراء ممن يمكن لنا ان ندخلهم خانة (البخلاء) دونما ادني تردد؟ وماذا ترانا نصف - بغير سلوك البخل - هذا الذي يبدو وكأنه قد نسي او تناسي (نعمة التواضع) واصبح سلوكه الاجتماعي العام يتواكب تماما مع سلوك (الفوقية) المقيت ناسيا او متناسيا قول عز من قائل (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى)، وانه (لا فضل لعربي على اعجمي إلا بالتقوى)؟ دمتم. وعلى الحب نلتقي دائما